رئيس التحرير
عصام كامل

تركيا.. التحول السياسي لتشكيل تحالفات الحرب العالمية الثالثة


في مقالات سابقة تناولنا الوضع السياسي والاقتصادي لتركيا، وكان أول المقالات قبيل الانقلاب الفاشل بأيام وكان المقال يناقش جوانب قـــوة أردوغان في السيطرة والتوغل في الداخل من خلال الاقتصاد والمجتمع الذي أفشل الانقلاب اللاحق وما لا أخفيه أنه كان يحوي نبوءة فشل الانقلاب مرتقبًا بسبب توغل وسيطرة التيار الديني.


المقال الثاني كان عقب الانقلاب مباشرة وقد شرح الإحداثيات واستنتج تحليلا موضوعيا أن الولايات المتحدة شجعت الضباط على التحرك، ثم استقبلت أردوغان وحمته، ثم رتبت عودته على عكس كل التحليلات المتحيزة التي إما توقعت أن الانقلاب تمثيلية من أردوغان أو أن الانقلاب بدعم دول معادية في المنطقة، وهما فرضيتان متطرفتان تشوبهما مشاعر وخلفيات الكتاب نحو قبول أردوغان أو رفضه إنما الواقع يثبت نفسه بوجود مؤامرة أمريكية لترضيخ أردوغان ثم دعمه.

تنبأ المقال أن أردوغان سيعود قويًا وسيعيد ترتيب أوراقه وحلفائه، فما كان من أردوغان إلا أن أدرك الدرس وتوجه إلى المعسكر الروسي شرقًا وفتح باب الحوار لإعادة العلاقات التجارية والسياحة وصناعة المقاولات التركية ثم خط الغاز الروسي (تركستريم) المار في تركيا إلى بعض الشائعات بوجود طائرات روسيا في قاعدة أنجرليك في إشارة لتغيير السياسة التركية نحو سوريا بما يشكل حلفا تركيا روسيا إيرانيا بما يشكل انقلابًا على التحالف السني- الأمريكي- مع السعودية أيضًا كان من أسباب تغيير استراتيجيته ملف انفصال الأكراد، لذا قرر التحالف مع سوريا وإيران ضدهم فكان هذا التحالف هو الأشرس عالميًا على الإطلاق ولا ننسى أننا أشرنا في مقال سابق إلى أن انسحاب بريطانيا المفاجئ من الاتحاد الأوروبي يقلل نفوذ أمريكا في أوروبا ونحو تركيا أيضًا.

وخلال الاتجاه شرقًا لم ينس أردوغان أن إسرائيل حليف أهم من أمريكا ذاتها وقد صدق البرلمان التركي على اتفاقية التطبيع لتثبت إسرائيل أنها رمانة الميزان السياسي بل الاقتصادي في الشرق الأوسط، وكان ذلك انقلابًا في السياسة التركية السابقة وتوجهات التيار الديني الداخلي.

ومازال الجميع ينتظر رد الفعل الأمريكي الغاضب من المعادلة المعقدة، وهنا تكمن فرصة مصر خلال تغير موازين القوى لاقتناص أقصى المكاسب خاصة أن تركيا هي المنافس السياسي الشرس والاقتصادي بل الديني في الشرق الأوسط.. فهل سنرى مصالحة مصرية أمريكية؟

أثبت أردوغان أنه سياسي بارع كما توقعنا ولكنه ما زال تحت نير الخطر ورغم معارضتنا إجراءاته التعسفية في الداخل نحو المعارضة المدنية ولكني أنتظر أن تكون الخطوة التالية التروي في دعمه الإخوان وإعادة الحوار مع مصر جزئيًا رغم صعوبة هذه الخطوة، ولكنها تتكامل مع كل ما سبق من خطوات جريئة وربما تتوسط روسيا لحل هذه الإشكالية وأعتقد أن ملف المصالحات سيكون جزءًا من المطالب التركية، ولكن اليوم تعد الدولة المصرية في مركز القوة نحو أي ضغوط ويجب أن تحقق أولا مكاسب سياسية اقتصادية.

إن السياسة نحو الدول لا تعرف الأصدقاء والعداوات المستمرة وإنما التوازنات والمصالح ومازال هناك ارتباط تاريخي بين الشعبين المصري والتركي لا يمكن تجاهله بسبب تهور القيادة السياسية التركية نحو قضية الإخوان وأتمنى أن يدرك أردوغان الدرس كاملًا.

ما بين مصالحة مصر مع أمريكا أو مصالحتها مع تركيا أو لا شيء على الإطلاق فإن المشهد لم ولن يستقر بعد ولكن ليس هناك مكاسب بقدر ما قد يشهده العالم لذا فالحكمة والتروي أولا لأن كل هذا هو مؤشر لتكون تحالفات أشبه بما يسبق الحروب الكبرى في انتظار لنشوب الحرب العالمية الثالثة في قلب الشرق الأوسط.
الجريدة الرسمية