أسطورة سوبر رمضان.. قدوة الجيل القادم
من أهم ما يشغل المهتمين بالشأن العام والمثقفين هو تحليل الرأي العام والوقوف أمام حالات.. مثل حالة مسلسل الأسطورة للممثل الشاب محمد رمضان الذي حقق أعلى نسب المشاهدة بل التعاطف والإعجاب بالشاب البلطجي ناصر أو سوبر رمضان -رغم قبح ملامحه- وبالطبع فإن الأمور لا تؤخذ اعتباطًا في تغير الذوق العام للشعب المصري حتى وإن كان ذلك على غير رغبة المثقفين.
يجب أن نتعرف أكثر على نموذج قدوة هذا الجيل... ببساطة ناصر هو شاب ولا يوجد لديه أي من علامات التفوق إلا في الشر وتصنيعه السلاح ولكنه بلطجي استطاع أن يحقق كرامته وكرامة عائلته بأسلوب روبن هود ودون الارتكان على القانون أو قيم التسامح والعقلانية وإنما باستخدام قانون الغاب وأبشع الأساليب الهمجية مثل إجبار عدوه على ارتداء قميص نوم حريمي بما يمثله الفعل من جرم وبما يخالف القيم الشرقية.. إن ناصر نموذج الشاب المتمرد الذي أفرزه المجتمع ٢٠١٦ إنه سائق التوتوك والطالب الذي يعتدي على مدرسة والشاب الذي لا يهاب أبًا أو أما.. إنه تشاومينج الثانوية العامة.
إنه النموذج الشاب الذي يجب أن نؤهل نفسنا للتعامل معه في المستقبل خاصة في ظل إجماع مسلسلات رمضان على نموذج ضابط الشرطة الفاسد دون الإشارة للنماذج الوطنية من الضباط وبلا أي تقدير لطبيب ناجح مثل مجدي يعقوب أو عالم فذ مثل فاروق الباز.. وعلى الجانب الآخر نرصد تكريم أوباما للشابة مي مدحت كرائدة الأعمال المشكوك في انتمائها الإخواني وعدائها للدولة المصرية.. إن ناصر هو نموذج للشاب الأرعن الذي انضم لداعش.
سوف تفرز المتغيرات السياسية السابقة والاقتصادية القادمة نوعًا من تقلص سلطة الدولة على المواطن بدءًا من رفع الدعم تدريجيًا مع ارتفاع متطلبات الحياة وجرأة المواطن بسبب الثورات إلى دور الإعلام في بث أفكار معينة، لذا يجب أن تصيغ الدولة أطروحة للتعامل داخل المجتمع مع هذا النموذج الصعب، ولا مجال من مواجهة الأزمة القادمة مع جيل الشباب بالكامل، مع الأخذ في الاعتبار أزمة تسريب امتحانات الثانوية العامة والبطالة، وضعف تأهيل الشباب لسوق العمل، وفي النهاية ضعف الانتماء، وحتى ناصر هو مجرد أسطورة خرافية لأنه لا وجود للبلطجي الشريف في الحياة الواقعية وهو ما يجب أن يفهمه الشباب.
إن هذا النموذج القدوة هو ارتداد لعصر ما قبل الدولة.. لأن روبن هود انتهى دوره في الحضارة الغربية ولكننا اليوم نحنو إلى نموذج الفتوة الأسطورة وهو ليس زرعًا شيطانيًا إنه فتوة الحارة، وكنت أتمنى أن يكون الفتوة ضابط شرطة أو عضوا برلمانيا أو مهندسا مثقفا أو طبيبا باحثا وليس شابًا على وتيرة (شربت سيجارة بني)، لذا يلزم أن يتخذ متخذو القرار في وزارة الثقافة خطوات جادة نحو ما يبثه التليفزيون في المجتمع المصري كقوة ناعمة لتغيير الثقافة لأننا مع الوقت لن تكون مصر دولة مع هذا النموذج الأرعن المتمرد على القانون.
اللافت للنظر أن ناصر استطاع بتعليمه تطوير صناعة السلاح ليكون طريقه للثراء غير الأخلاقي ليصبح الطريق الوحيد للثراء في مجتمعنا هي الطرق غير المشروعة وتجارة الموت، أما السينما الأمريكية عندما قدمت نموذج تاجر السلاح قدمته كمن يبيع روحه للشيطان في إدانة مباشرة لتجارة الموت.
ما أتمناه وأحلم به أن أجد في رمضان القادم "مسلسل سوبر مواطن محترم" يواجه سواق التوك توك سوبر رمضان أو سوبر ناصر بالقانون وبالعلم والعمل وإجماع الشعب ضد الفوضوية لإعلاء دولة القانون وأن يكون بنفس الحبكة والأداء التي تحقق نفس نسب المشاهدة.
أفتخر أنني كنت أشاهد في رمضان مسلسل "نيللي وشريهان" الكوميدي بعيدًا عن ضوضاء الإعلام وكذب السياسة لأن ثقافة الإنسان لن تأتي من مسلسل وإنما من الكتب -فتشوا عن الكتب لأن لكم فيها حياة أبدية- آملا أن ينظر الله إلى حالنا ويحنو علينا ويفيقنا من غيبوبتنا النفسية.
