رئيس التحرير
عصام كامل

ليس بالاعتذار وتقبيل اليد!


فتنة قرية الكرم أبو قرقاص لن تكون الأخيرة.. وكثيرا ما قلنا أثناء وبعد كل فتنة أو أزمة إنها لن تكون الأخيرة، وسوف تتكرر هذه الأحداث مع تغير الأماكن والشخوص، والحقيقة أننا كمسئولين أو شعب بكل أطيافه وتوجهاته نعتز كثيرا بذاكرة السمكة.. نلتقط الطعم فيلتقطنا الصياد، ونعود لنفس المكان ونفس الصنارة فنلتقط الطعم من جديد.. وهكذا لا نمل ولا نكل من التعلق بصنارة الصياد.. ولا نكل ولا نمل من الصراخ وإطلاق الشعارات التي تصلح لكل المناسبات.. ولا يدوم الحال أكثر من يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير فننسي ما كان، لأننا نستمتع بذاكرة السمكة، أو لأننا ندخل إلى أزمة جديدة أو فتنة مصنوعة بمهارة فائقة !


في واقعة الكرم أو ما أطلق عليها (تعرية السيدة سعاد ثابت) انتفض الجميع وأنا منهم–لا أستثني أحدا– وامتلأ فضاء الكون بالكلمات المواسية والشعارات الرنانة مشمولة بالاستنكار والشجب والإدانة، وخرج كل من أراد أن يدلي بدلوه بحثا عن هدف آخر يقول ما شاء وفي مقلتيه الدموع.. يريد أن يسمعه الجميع وهو يطلب الذهاب إلى السيدة الملتاعة يبوس يدها ويقبل رأسها ويجثو على قدميه معتذرا عما فعله السفهاء معها !

الجميع بصوت واحد قالوا مصر فوق الجميع، وقالوا نعتذر للسيدة سعاد..دي أمنا كلنا، وقالوا نرفض تدخل الإخوان في الأزمة، وقالوا لن يستطيع أحد تفريقنا..وكلام كثير على هذه الشاكلة.. لكن ما استفزني هو ما قالوه من أن المصريين ما يعملوش كده!! والحقيقة هذا كلام مستهجن ولا يصمد دقيقة واحدة أمام ما يمارسه المصريون كل يوم في أحداث مشابهة وقد تكون مكررة!

إذا كان ما حدث في المنيا لم يفعله المصريون.. فمن فعله إذن؟ هل من أجرموا في حق هذه المصرية من دولة أخرى أم أنهم هبطوا من السماء مع الشياطين؟ من فعلوا هذا الفعل المشين هم نحن، ومن يتكلمون عن المواطنة ويكفرون بها هم نحن، ومن يجهرون بمواجهة الفساد ويمارسون كل أشكاله هم نحن، ومن يتحدثون عن عنصري الأمة والنسيج الواحد وتمتلئ عقولهم بالتطرف والطائفية هم نحن، ومن يتحدثون عن ضرورة حرية الرأي وقبول الرأي الآخر ويتمترسون خلف آراءهم ويرفضون سماع الآخر هم نحن!

من يتحدثون عن القانون ويضربون به عرض الحائط ويدهسونه بالأقدام هم نحن، ومن يسعون إلى ركن القانون على الرفوف والسعي وراء جلسات المصاطب وقانون الكبار لإذلال الضعفاء هم نحن!

في الفتنة سارع الجميع في البداية لغسل اليد والتهوين بها، وكأن شيئا لم يحدث وقرر أن تظل النار تحت الرماد تحرقنا ولا نراها، وقام مسئولون كبار بتسطيح الأزمة، وبدلا من العمل على إخراج القيح من الجرح.. قرروا كتم التقيحات وتنظيف الجرح من الخارج حتى تبدو الصورة جميلة، فبينما يقوم محافظ المنيا بتسليم زوج السيدة سعاد مبلغ 5 آلاف جنيه من المحافظة لشراء متعلقات شخصية من ملابس وخلافه بعد حرق المنزل، يقول النائب القصبي رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب أنه سيوجه الدعوة إلى سيدة قرية الكرم لزيارة مجلس النواب للاعتذار لها عما حدث وتقديم العلم المصري هدية لها..لا أجد تعليقا على هذا غير للوطن رب يحميه من الفتنة ومن سفهاء هذه الأيام !

ليس بالاعتذار وتقبيل اليد تحل مشاكلنا، وليس بالجلسات العرفية وقعدات المصاطب تنتهي أزماتنا.. نحن نزيل العرض ولا نعالج المرض.. والعلاج هو القانون والوسيلة الوحيدة للمواطنة واستقرار هذا الوطن، وكما قال الرئيس تطبيق القانون على المخالف من الرئيس وحتى آخر مواطن في هذا البلد عندما يخطئ.

أما علاج المرض فالكلام فيه يطول ولا عزاء لوزارات الأوقاف والثقافة والتعليم والإعلام بكل مؤسساته الرسمية والخاصة، وربنا يلطف بهذا البلد وبأهله.
m.elazizi@hotmail.com
الجريدة الرسمية