رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتورة إيمان مهران: نعيش زمن المسخ

الدكتورة إيمان مهران
الدكتورة إيمان مهران الأستاذ بأكاديمية الفنون

قالت الدكتورة إيمان مهران، الأستاذ بأكاديمية الفنون، وموثقة لتراث الثلاثينيات بين مصر وفرنسا، في عالم المونولوج، إن إيطاليا أول بلد عرفت فن المونولوج، مشيرة إلى أن مصر كانت من أوائل الدول العربية التي اهتمت بفن المونولوج، عبر قامات، مثل: إسماعيل ياسين ومحمود شكوكو وثريا حلمي، وغيرهم ممن تربعوا على قمة فن المونولوج.. وإلى نص الحوار..



ما الموطن الأصلي للمونولوج؟
بلد المنشأ هي إيطاليا، فالمسرح الإيطالي هو أول من استضاف وابتكر فن المونولوج، وتلك المفردة تنقسم إلى شقين، فـ"مونو" تعني أحادي، و"لوج" تعني خطاب، أي أن الجملة تعني في النهاية "الخطاب الأحادي".

وفن المونولوج يتكون من شخص يتخذ أسلوبا تعبيريا على المسرح للتعبير عن رد فعل أو موقف ما تعرض له، ويكون شخصا واحدا بمفرده فقط.

كيف انتقل هذا الفن إلى مصر؟
ظهر فن المونولوج في مصر لأول مرة في عشرينيات القرن الماضي، تحديدًا من فوق خشبة مسرح سلامة حجازي، حيث ابتكر أسلوبًا ونمطًا جديدًا في المسرحيات، من خلال إدخال عدد من الفواصل الغنائية بين فقرات العمل المسرحي، وتكون تلك الأغنية بمثابة حوار مع الذات كتعبير عن مشاهد وخط سير العمل، حيث ينقل تجربة البطل في أغنية.

ما أنواع فن المونولوج؟
تتعدد أشكال المونولوج على الساحة الفنية، فهناك نقاد يعتبرون أن فن النقد اللاذع الذي يتمثل في السخرية هو الشكل الأساسى للمونولوج، إلا أن الأساس الصحيح للمونولوج وتاريخه ينبثق من فوق خشبة المسرح، وهناك شكل آخر له يتمثل في فن الأغنية.

فالمونولوج لا يعتمد في الأساس على فن محمود شكوكو وإسماعيل يس وثريا حلمي، فهناك المونولوج الغنائي، مثل أغاني وروائع القصبجي وأم كلثوم في أغنية "رق الحبيب" على سبيل المثال.

كيف تحول المونولوج من المسرح إلى الغناء؟
على الصعيد العربي، يعتبر الملحن محمد القصبجي هو صاحب النقلة النوعية للمونولوج من المسرح إلى الغناء، وهو صاحب العديد من المونولوجات الغنائية الشهيرة التي يعتبرها العامة أغاني طربية فقط، وتعتبر أم كلثوم ومنيرة المهدية وغيرهما الكثير من أشهر الفنانات اللواتي غنت المونولوجات، مثل أغاني "فين العيون اللي سابتني، إن كنت أسامح وأنسى الأسية، رق الحبيب، يا طيور"، للفنانة أسمهان.

ماذا عن المونولوجات الساخرة؟
عقب توقف نمو فن المونولوج الغنائي المرتبط بالعاطفة، ظهر المونولوج الغنائي الساخر والفكاهي، مثل مونولوجات محمود شكوكو وإسماعيل يس ويوسف وهبي ونجيب الريحاني، وكان المسرح هو البيئة التي نشأ فيها هذا الفن ثم انتقل إلى السينما في الأربعينيات.

ما الذي يميز فن المونولوج عن أي فنون غنائية أو مسرحية أخرى؟
يكمن سر تميز المونولوج وتألقه في أنه خفيف الظل، ويحاكي المشكلات الشخصية والمجتمعية، إضافة إلى أنه لا يلتزم بتقنيات صوت محددة ولا لحن مدروس، فهو أقرب للشارع وعاميته ولغته.

ما البدائل الموجودة على الساحة الآن لفن المونولوج؟
في رأيى الشخصي، الأغانى الشعبية والسوقية المتداولة الآن في الأفراح والشوارع هي نوع من أنواع المونولوجات، ولكنها كما "المسخ" الغنائي، لا فائدة ولا طائل من ورائها، حيث وصلت تلك الأغانى بفن المونولوج إلى درجة كبيرة من الابتذال الفني.

يقال إن المونولوجست هو شخص فاقد للموهبة أو فنان "بين بين".. فما رأيك؟
صحيح بنسبة معينة، لأن المونولوج عادة لا يحتاج إلى صوت جميل أو طربي، لذا لا يشترط أن يكون المونولوجست مطربا في الأساس، إضافة إلى أنه لا يشترط التمثيل، لأن الأداء الحركي في المونولوج لا يعتمد على تقنيات وأساليب معينة، وإنما على حسب المونولوج نفسه يستطيع الشخص التعبير عن نفسه بإيماءات ليس لها معايير محددة أو مدروسة.

هل استطاع الممثل صلاح عبدالله التعبير عن حال المونولوجست في فيلم الفرح؟
بالتأكيد.. هذا المشهد عبقري بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث استطاع صلاح التعبير عن جميع مواصفات المونولوجست، بدءًا من ملابسه وطريقته على المسرح، واعتقاده أنه يقدم فنا ثمينا وله قيمة للمجتمع، إلا أنه يفاجأ على خشبة المسرح أن المجتمع تغير والعالم اختلفت ملامحه، ولم يعد المتلقي كما كان سابقًا، لتصيبه حالة من الاكتئاب والذهول جراء ذلك الموقف وسخرية الجمهور منه.. فأنا أعتبر هذا المشهد من أفضل مشاهد الفيلم، على الرغم من توجهات الفيلم نفسه.

هل يمكن اعتبار شعبان عبدالرحيم «مونولوجستا»؟
نعم بالتأكيد.. شعبان من أكثر المطربين الشعبيين الذين يؤدون فن المونولوج، حيث يعتمد على تناول مشكلات الشارع اليومية، والحالات الاجتماعية وتحويلها إلى أغان بـ"تيمة" محددة، لنجد أنها انتشرت في اليوم التالي على ألسنة الجميع، وتنتشر تلك المونولوجات بهذه السرعة لأنها قريبة من المشكلات المجتمعية والطبقة الشعبية في المجتمع.

هل يمكن اعتبار المهرجانات الشعبية مونولوجات؟
لا.. لا يمكن، لأن هناك فرقا كبيرا بين فن العامة ولغتهم وبين لغة السوق، فالمهرجانات مجرد مجهودات شخصية انتشرت في الآونة الأخيرة عقب تسويقها بطريقة محترفة، ومن المعروف أن أي أمر يخضع لتسويق جيد ينتشر سريعا.

في رأيك من هم آخر رواد فن المونولوج في الفترة الأخيرة؟
أعتقد أن الفنانة لبلبة والفنان محمود عزب هم آخر المحترمين في هذا الفن.

لماذا انقرض المونولوج الفكاهي الهادف؟
لم ينقرض المونولوج بشكل عام، ولكن انقرض المونولوج الذي كنا نحبه ونشاهده على الشاشات، وذلك بسبب عدة أسباب تتلخص في غياب التسويق الجيد لهذا الفن، ظهور أنواع جديدة من الفنون والأجيال التي تخلق أنماطا وآليات تكنولوجية جديدة، انهيار المنظومة الإعلامية التابعة للدولة والتي كانت تدعم سابقًا تلك الفنون، إضافة إلى ظهور جيل جديد لا يحتمل مشاهدة أي شيء روتيني أو بشكل معتاد، فالشباب الآن يميلون إلى السرعة، لذلك يتجهون إلى وسائل التواصل والمونولوجات بشكل مختلف عما سبق.

ما طبيعة البدائل التي ابتكرها شباب الجيل الحالي بدلا من المونولوج؟
برامج التوك شو والبرامج الساخرة بشكل عام، فالجيل الحالي يعتمد في سخريته على الصورة بشكل أكبر من الصوت، وهو ما يظهر على مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التليفزيونية، لذلك يرفض الشباب التعامل مع القالب النمطي للمونولوج لأنهم خلقوا لغة خاصة بهم واستطاعوا فرضها، فالمونولوج النمطي الآن بالنسبة للشباب أصبح مملا.

ما التأثير الذي خلفه المونولوج وراءه منذ انقراضه بشكل جزئي؟
مبدئيا فن المونولوج تعرض إلى ظلم بين.. ولكني أرى أن أكثر التأثيرات هو حلول الابتذال محله، وأغاني السوق المزرية حالها، فمصر هي المصدر الأول للفنون بالوطن العربي، وعندما كانت تصدر قديما الطرب والمونولوجات الراقية، كان الوطن العربي يستقبل تلك الفنون لتتعمق لديه ويحفظها، ولكن مصر تصدر الآن ابتذالا حقيقيا، ومسوخا تتحرك عبر الشاشات، وتنتقل تلك المسوخ إلى كل بيت عربي، وكأن الأمر يشبه كابوسا كبيرا يصعب التخلص منه أو إيقاف تمدده الذي يسري.

هل يمكن للمواطن المصري نسيان وفقدان المونولوج بشكل نهائي؟
لا أعتقد، الأمر صعب بعض الشيء، لأن المواطن المصري يميل إلى السخرية ويحبها، وهو معروف بها على النطاق العربي، إنه الأقوى في خفة الظل وقدرته على الاستمتاع والضحك مهما كان حجم المشكلات التي تحاصره.

الجريدة الرسمية