رئيس التحرير
عصام كامل

عشاء الساعة في معدة السفير!


أعترف بارتكابى جريمة مهنية لا يُمكن التسامح فيها عندما قصَّرت في مُتابعة كل التفاصيل الخاصة بعشاء السفير الإسرائيلى في منزل النائب السابق (توفيق عكاشة)، بعد أن جمعتهما مائدة حفلت بكُل ما لذَّ وطاب من أصناف الحمام المحشى والبط البلدى والديوك الرومى واللحوم الطازجة القادمة من أجود مزارعهم مضمونة ومتشفية مش حمايرى معضضة ومعطَّنَة ومشكوك في أصلها وفصلها ومليانة شغت ودهون، ولكن كُل عشمى في عزيزى القارئ أن يغفر لى خطيئتى ويرجو معى عدم تكرارها!


الخطيئة كانت في الانسياق خلف مُتابعة الحدث وما نتج عنه، ونسينا جميعًا أهم بنود الواقعة وهى محتويات العشاء، يعنى الراجل الإسرائيلى أكل إيه وساب إيه، ووزنه زاد قد إيه بعد العشوة، وإقباله على الصوانى كان شكله إيه، والمحاشى عجبته واللا عادى؟ وغنى عن الذكر أن الأصناف المُشار إليها عالية ما هي إلا من وحى خيال وتوقُّع شخصى، وستسألنى سيادتك هي عزومة نائب مجلس الشعب للسفير زى عزومة خالتَك لحضرتك؟ هقول لَك بصراحة أنا عُمرى ما اشتغلت سفير ولا نايب، وبالتالى بتكلِّم على قَد علمى، وكما أسلفنا فقد قدمت اعتذارى بسبب التقصير!

الحكاية نفسها عرفها الجميع؛ البعض يوافق (عكاشة) على العزومة، ويغبط السفير على ما التهمه من أطنان لحوم، ومقبلات، وصوانى حلويات، وفاكهة بالتأكيد غير مسرطنة، فالسفير مش أهبل يعنى ولعبة السرطنة دى لعبتهم في الأصل.. والغالبية ترفُض وتشجُب وتستنكر وتشمت في الإطاحة بحليف السفير من مجلس النواب أو مجلس الشعب بعدما خالف رغبة الشعب وقعد ياكُل عيش وملح وطواجن بامية مع مُمثل الصهاينة في بلدنا، ومش كده وبس ده كمان طلع يعترف ويتفاخر بمفاوضات ما أنزل الله بها من سلطان ولا يحق له الخوض فيها لا بصفته ولا بشخصه زى قال إيه اتفاقه على بناء الإسرائيليين لعشر مدارس بدلًا من مدرسة بحر البقر، وفى هذا ـ يا ربى ـ جريمة في حق الوطن وشهدائه وتاريخه؛ فالتعويض بخس وغبى ولا يقبل به عاقل، لكن واضح أن النيفة والكبَد والمخاصى في العشاء المذكور لعبت دور الخمر وأذهبت العقل المحلى المسكين من غير ما تقدر على المساس بالعقل الصهيونى اللئيم!

والحقيقة فالبعض مُمكن يضيَّع مستقبله بسبب رشوة، فيلم إباحى، تسريب صوتى، طُربة حشيش، لكن أن يضيع المستقبل السياسي لأحد الساسة بسبب عشاء فهذا في حَد ذاته جريمة ارتكبها الأخ السياسي في نفسه، حاجة كده زى جريمة الانتحار والقتل معًا في فيلم (موعد على العشاء) عندما تناولت المرحومة (سعاد حسنى) المسقعة المُسممة مع المرحوم ـ في الفيلم بعد كده ـ (حسين فهمى) حتى تقتله وتتخلَّص من ظلمه، لكن المُشكلة أن (عكاشة) أكل المسقعة لوحده!

وكُنت قد بدأت في مُتابعة الاستوديو التحليلى لمُباراة الأهلي وبتروجيت، وعلى حد علمى فلم يكُن من ضمن جدول العشاء إياه فقرة لمُتابعة أهداف الأهلي في الزمالك، خاصة أن عددهم لا حصر له، ولو عملوها لكان زمانهم لسه قاعدين بيتعشوا لحد الآن، المُهم أن العشاء الذي أصبح في متناول الجميع -كسيرة ومحور حديث وليس كصدر فرخة أو قطعة فيليه- فرض نفسه على الاستوديو، وفوجئت وقتها بتعقيب ناري من (زكريا ناصف) المُحلل الكروى وهجوم كاسح لا ضد دفاعات بتروجيت أو خط وسط المحلة، لكن ضد أعضاء مجلس النواب الذين صوتوا في ذات اليوم على إسقاط عضوية (توفيق عكاشة) بسبب علاقته بالسفير الإسرائيلى، مؤكدًا أن المجلس أخطأ، وفى هذا جريمة أسوأ من جريمة العشاء إياه!

وكانت الجريمة الأنقح عندما وافق (سيف زاهر) مُقدم الاستوديو على اتهامات (زكريا) ضد نواب الشعب، وكان المنوط به ضبط الحوار والابتعاد به عن السياسة على الأقل كمبدأ أصيل لبرنامج كروى، فتورَّطا معًا في ورطة أسوأ من إن مسكين يتعشى بصارة وبصل وينام بعدها على طول.. إذ يتساءل واحد ويوافق الثانى بلا تفكير عن كيفية قيام أعضاء المجلس بالإطاحة بعضو زميل انتخبه الشعب وكأن يا جدع هؤلاء الأعضاء -الأغلبية الساحقة- التحقوا بعضوية المجلس عن طريق إعلانات الوظائف الخالية، أو فازوا بمقاعدهم تحت القُبة بورقة اليانصيب ولم يتم انتخابهم مثلما تم انتخاب حضرته، بالذمة مين يفكَّر كدة ومين يوافق إلا ناس واكلة تاطورة؟!

الموضوع هو أن عضو برلمان يُمثِّل جُزء من الشعب أجرم في حق البلد، وقام بالتطبيع العلنى المُباشر مع العدو الإسرائيلى، وهو أمر خارج نطاق وسياق مركزه تمامًا، يعنى مينفعش يتساوى بوزير الخارجية مثلًا أو مُمثلى السُلطة التنفيذية المُلزمين بمُعاملات رسمية مع كُل الدول، وبعد قيام العضو بجريمته قام مُعظم الأعضاء اللى أكيد معاهم أعداد أكثر بكثير من الشعب برفض هذا التصرُّف، وبالتالى تم استبعاده من المجلس بغضب شعبى عبَّر عنه النواب المُنتخبين بدورهم.. باختصار نائب معاه ألف صوت أو ألفين أو حتى ميت ألف موافقين على اللى عمله، في مواجهة 400 نائب واضرب الأصوات اللى معاهم في الألف والألفين والميت ألف، وتفوز الأغلبية وينتهى العشاء وحكايته، فأين المُشكلة؟!

المُشكلة كانت في تقصيرى عن مُتابعة أصناف العشاء وإحصائها لتقديمها بندًا بندًا كانفراد للقارئ المُهتم بمُتابعة كُل تفاصيل الحكاية، فأرجوكم سامحونى، ولولا الملامة لقدَّمت لكم عوضًا عن ذلك تفاصيل وبنود عشائى ليلة كتابة هذا المقال، لكنى لا أرغب في تحويل سخطكم على فشلى إلى حالة تعاطُف شديد وشفقة أشد على حالتى البائسة، لذا فلنكتفى بهذا القدر!
الجريدة الرسمية