رئيس التحرير
عصام كامل

300 ألف مشعوذ يلعبون بالبيضة والحجر

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

حين نصف شخصًا بأنه «خرف» عقله، فإننا نعنى فقدانه القدرة على التمييز بين الحق والباطل وانسياقه وراء الخرافات والأساطير، والعلماء حين عرفوا «الخرافة» قالوا بأنها أساطير وهمية تفتقد لكل مقومات الصدق، وأن المردد لها يصبو إلى سلب المزية التي فضل الله بها البشر عن باقى المخلوقات وهى «العقل» حتى يتسنى له تحقيق مأربه.

ومن هذا نستطيع أن ندرك السبب في شرود أذهان المصريين دومًا بعالم السحر والشعوذة، وتعلق قلوبهم بتصديق الأكاذيب والخزعبلات التي يهذى بها الدجالون، للحد الذي جعل الكثيرين يوقفون حياتهم على خرافة يتمتم بها مشعوذ هو في الأصل لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرا.

فعلى مدى حقب مضت تصدر المصريون قائمة شعوب العالم من حيث الذهاب إلى السحرة والمشعوذين والإيمان الراسخ بما يلقى على أسماعهم، فهذا عامل يكدح طوال نهاره في الأعمال الشاقة ليذهب في آخر اليوم ويلقى بحصيلة كدهوتعبه في يدى «دجال» لمجرد أنه نجح في إيهامه أن باستطاعته إسقاط السماء عليه ذهبًا وأنه عما قريب سيرقى إلى مصاف من يمتلكون المليارات، وذاك سياسي بارز دفعه حبه للمنصب إلى الحرص على نيل «البركة» من رجل أهطل ليضمن بقاءه في مركزه حتى الرمق الأخير من عمره، وغيرهما لاعب كرة شهير يعتقد أن عملًا سفليًا أحيك له هو السبب في تراجع مستواه، وتلك امرأة وجدت في خرافات المشعوذين دليلًا دامغًا لإثبات تهمة الخيانة على زوجها، وغيرهما كثير.

تؤكد الدراسة التي أجراها الدكتور محمد عبد العظيم، والدكتور أحمد الكتامي، الباحثان بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، واتفقت معهما الدراسة التي أعدها الدكتور محمد المهدي، استشارى الطب النفسي، أن تفشى ظاهرة الدجل والاعتقاد لدرجة اليقين بالخرافات أصبحا شيئًا راسخًا في كيان المجتمع المصري، وأن نصف السيدات من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية يؤمن بالسحر والشعوذة ويحرصن على الذهاب إلى الدجالين بشكل منظم ودوري.
وأضافت الدراسة أن مصر أصبح فيها دجال واحد لكل مائتى وأربعين مواطنًا، وأن 300 ألف مشعوذ يدعون قدرتهم على علاج المرضى وإذهاب ما يعكر صفو حياتهم عن طريق تحضير الأرواح، و300 ألف آخرين يدعون براعتهم في العلاج بالقرآن الكريم والكتب المقدسة.

وأشارت الدراسة إلى أنه بالإضافة إلى الـ600 ألف مشعوذ السابقين فإن ما يزيد على 250 ألفا غيرهم ينجحون في ممارسة أنشطتهم وجمع ملايين الجنيهات عن طريق التمتمة بكلمات غير مفهومة وإطلاق الأبخرة الغريبة الرائحة وكتابة حروف غير مقروءة بجانب العديد من الخزعبلات والأوهام التي يقنعون بها زبائنهم.

وكشفت الدراسة عن مرافقة غريبة وهى أنه رغم وقوع غالبية الشعب المصرى تحت خط الفقر إلا أنهم ينفقون سنويًا على أعمال السحر والشعوذة ما يقارب من 10 إلى 15 مليار جنيه، وأن 63% من المصريين يؤمنون بالخرافات، و50% من السيدات يعتقدن بقدرة الدجالين على جلب الخير إليهن أو إصابتهن بالشر إن لم يخضعن لما يطلب منهن، وأن 38% من المثقفين ومشاهير الفن والرياضة والسياسة من المترددين على السحرة والدجالين.

وأكدت دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن النساء هن الأكثر اعتقادا في السحر والشعوذة والأكثر يقينًا بقدرة الدجالين على فعل المحال، وأن 55% من المترددات على الدجالين من الحاصلات على مؤهلات علمية عالية، و24% منهن يجدن القراءة والكتابة فقط، و30% من الأميات، و51% من المترددات متزوجات، و2.1% من العوانس الراغبات في الظفر بزوج.

ومن أهم الأسباب التي أدت لتغلغل هذه الظاهرة في كيان المجتمع المصرى التعليم السطحى الذي أدى إلى انتشار الأمية والجهل بسبب المناهج الفارغة من أي محتوى مفيد يستطيع من خلاله المتلقى التمييز بين الغث والسمين، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر التي جعلت الملايين يمرون بحالات من الإحباط ولا يجدون أمامهم أسهل من الاعتقاد أن ممارسة الخزعبلات هو سبيل نجاتهم.
كما أن من أهم أسباب تعلق المصريين بالدجالين هو غياب المفاهيم والمبادئ والقيم الصحيحة للدين بسبب غياب دور رجاله من جانب، وفقدان الثقة بهم من جانب آخر، مما أتاح المجال لانتشار المفاهيم الدينية المغلوطة، وضعف العقيدة والإيمان بالله والجهل بأحكام الشرع.
بالإضافة إلى تحول هذه الظاهرة إلى استثمار يضخ ملايين الجنيهات على العاملين فيها بطريق غير مباشر، ومن أهمهم العطارون المتخصصون في المتاجرة بالأعشاب، الذين حقق البعض منهم ثروات طائلة من وراء بيع أشياء وهمية لمجرد أن الدجال طلبها بعد أن أغروه بنسبة من حصيلة ما يتم بيعه.

كما أن أحدث وسيلة ظهرت للتشجيع على تأصيل هذه الظاهرة في شرايين المجتمع المصرى هي «الشعوذة الفضائية» وإعداد برامج تهدف إلى دعوة المشاهد للإيمان بالسحرة ومفسرى الأحلام، وإيهامه بقدرتهم على حل مشاكله عن طريق اتصال هاتفى يجريه بمقدم البرنامج أو رسائل يبعثها عن طريق هاتفه يشرح فيها معاناته.

أما عن كيفية مقاومة هذه الظاهرة واستئصالها من الجسد المصرى فينبعان من التمسك بالعلم ونشر المناهج العلمية التي تنمى الذكاء بين شتى الفئات العمرية، وسعى الحكومة في توفير فرص عمل بالقطاعين العام والخاص للحد من ارتفاع نسبة الفقر وشغل المواطنين بأعمال تجعلهم في غنى عن السعى وراء الأوهام.

وتأتى تقوية النزعة الدينية في نفوس المواطنين وقيام رجال الدين بدورهم التوعوى الصحيح من أهم الأسباب التي تؤدى لاستئصال هذه الظاهرة، بجانب التربية الاجتماعية الصالحة والدور المهم الذي تلعبه الأسرة خلالها.
الجريدة الرسمية