رئيس التحرير
عصام كامل

«حكايات من زمن اللحمة في عيد الأضحى».. جزار بالأميرية: دخلاء المهنة و«الصبيان» بيهددو مستقبلنا.. الجلد بيحدد سعر الذبح.. «السلخ» سبب أزمتنا مع «العيال».. وآخر ب

محلات الجزارة - صورة
محلات الجزارة - صورة أرشيفية

تتعدد مظاهر احتفال المصريين بعيد الأضحى، بداية من الحرص على صلاة العيد في المسجد، ولمّة العائلة على مائدة الإفطار العامرة بأطباق «الفتة» الشهيرة، إلا أن البطل الوحيد والأشهر في ذلك اليوم هو «الجزار» أيا كان مكانه ومحل عمله، سواء كان متجولا أو صاحب محل.


دخلاء المهنة
أحمد عبد الباري أحد جزاري منطقة الأميرية قال: «إن الجزارة مهنة تعلمناها من آبائنا، لكن يوجد الآن دخلاء على المهنة، من «صبيان» المَعلِّمين والمحال الكبرى للجزارة، وهذا ما يُسبِّب لنا الخسارة، وكنت دائما أنزل بصحبة والدي لأحمل له أدواته التي تضم السكاكين مختلفة الأحجام، والخطاف لتعليق الأضحية استعدادا لسلخها، والأورمة وهي قطعة خشبية يقطع عليها اللحم، كان يوم العيد دائما ما ينتهي وأنا منهمك في العمل مع والدي في سلخ الأضحية، وقد بدأت العمل مع والدي حينما كنت في الرابعة من عمري، وكنت في هذه السن المبكرة أحمل له السكاكين فقط، أما الآن فأشترك معه في سلخ الأضحية وتقطيعها».

هواية من الصغر
وأضاف: «تحولت الجزارة من هواية في الصغر إلى مهنة احترفتها في الكبر، حتى أنني أصبحت أتحمل مسئولية المحل بالكامل بمفردي، لكن في المواسم، خاصة عيد الأضحي، أترك المذبح الذي أعمل به وألجأ إلى العمل كجزار (سريح) أمشي في الشوارع وأعرض على الناس ذبح أضاحيهم، ورغم أن كل شخص يفضل الجزار الذي يتعامل معه، إلا أن زحمة العيد وانشغال الجزارين أصحاب المحال يوفران لي فرصة عمل أكبر».

وأوضح: «إن أكثر ما تعلمته من والدي أن أتبع سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عملية الذبح، وأولها أن أخبر أهل البيت بحضور عملية الذبح وعدم الخوف من الدم والتشهد أثناء عملية الذبح وغيرها من الطقوس التي تضمن شرعية الذبح».

لسنا أغنياء
وتابع «عبد الباري»: «الجزار ليس مُيسَّر الحال كما يتخيَّل الجميع، فقد نحقق خسائر فادحة، لكننا قد نحقق أرباحا كثيرة في موسم عيد الأضحى، ومواسم الصيام».. لافتا إلى أن الأحوال الاقتصادية أثَّرَت بشكل كبير على دخْل الجزارين وصبيانهم، فاللحوم الآن للميسورين فقط، فسعر الكيلو يصل إلى 60 جنيها في المناطق الشعبية، والجزار هو أول من يتأثر بسوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع أسعار اللحوم، إذ يلجأ كثير من المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل إلى شراء اللحوم المستوردة السودانية والصومالية.

أما أحمد سلطان أحد الجزارين بمنطقة شبرا، فأكد أن الجزارة فن، وهى مهنة لا تمكن الاستهانة بها، كما أن الجزار الماهر يُعْرَف من «سحب سكينته على رقبة العجل أو الخروف»، وفى عائلتنا كان جدى الأكبر متعهدًا في مجال توزيع اللحوم خلال فترة الاحتلال البريطانى لمصر، وهذا منذ أكثر من مائة سنة.

عمل متواصل
وعن المظاهر التي تسبق عيد الأضحى المبارك، أوضح «سلطان» أن الجميع في المذبح يعملون بشكل متواصل لأكثر من 16 ساعة في اليوم الواحد، خلال الأيام العشرة التي تسْبِق عيد الأضحى من كل عام، حتى غروب شمس يوم وقفة عرفات، ليبدأ صباح اليوم الأول لعيد الأضحى، واستنكر «سلطان» ما وصفه بتسلل بعض الدخلاء إلى مهنة الجزارة، فقال: هناك بعض الناس ممن يعملون في مهن مختلفة يظهرون في المواسم والمناسبات فقط، فيجوبون الشوارع والحارات، ويصيحون بأصواتهم، جزار نظيف، ويرتدون جلبابا أبيض ملطخا بالدماء، لافتا إلى أنه من أحرص الناس منذ صغره على نظافة ثيابه وعدم تعمد تلطيخها بالدماء كما يفعل البعض، وكأنه يقوم بعمل دعاية لنفسه من خلال الجلباب الملطخ بالدماء.

الجلد بيحدد السعر
وعن أسعار ذبح الأضحية قال سلطان: ليست كل الأعوام أو كل المناسبات نقوم بالذبح فيها بنفس السعر، ولكن الأمر يخضع للحالة الاقتصادية وسوق العرض والطلب، أذبح الضحية مقابل 50 جنيها للخروف، ومن 500 إلى 600 جنيه للعجول والأضاحي الكبيرة، وهذا يتوقف على ما أحصل عليه من الأضحية من الجلود، ففي حالة حصولي على جلد الأضحية أقوم بتخفيض تكلفة الذبح 10 جنيهات للخرفان والماعز و100 جنيه للعجول والجمال، وأبدأ في العمل يوم وقفة عرفات، إذ يقوم بعض المقتدرين بذبح الخرفان والعجول قبل يوم العيد لتوزيع اللحوم على الفقراء ليأكلوا اللحم في العيد.

الأضحية السليمة
وعن الحالة الصحية للأضاحي، قال: «الجزار المحترف هو من يستطيع تشخيص الحالة الصحية للأضحية بمجرد النظر إليها، من خلال تدقيق النظر في الفم والعينين لأنهما من أكثر الأماكن التي تظهر عليهما أعراض الأمراض التي تصيب الحيوانات كالحمى القلاعية وغيرها، أما الجمال فهي أكثر الحيوانات التي نقوم بذبحها باطمئنان تام، لأن المعروف أن الجمال حينما تمرض تموت ولا يستغرق مرضها وقتا طويلا، وبالتالي فلحومها دائما صالحة للأكل، أما بعد الذبح فأكثر ما نكون حريصين على إزالته من الأضحية هي "المرارة"، لأنها تثير اشمئزاز كثيرين لما تتركه عصارتها من مرارة على طعم اللحوم، وكذلك الكبد أكثر الأجزاء عرضة للإصابة بالمرض في الأضاحي، وبالنسبة للجمال فأجسامها لا تحتوي على المرارة إطلاقًا».

مواقف وطرائف
وعن بعض المواقف الطريفة التي تعرض لها أثناء الذبح يوم العيد يقول سلطان: يقوم أحد أفراد الأسرة وغالبا ما يكون أصغرهم سنا بسؤالنا «هل الذبح أولًا أم السلخ؟» وقد انتشرت تلك الدعابة في أعقاب عرض فيلم الفنان محمد سعد «بوحة».

في حين أن عددًا ممن يجيدون حرفة الجزارة لا يتخذونها مهنة، فيقوم بعضهم بقصر أداء عملية الذبح في العيد على أصحابه وأقاربه، وفي هذا يقول نبيل على: «لا أذبح بنفسي إلا لعدد محدود من زبائني القلائل الذين يطلبونني بالاسم، ولا أستطيع التأخر عنهم، وأذبح كل أنواع الأضاحي بما فيها العجول، ويعاونني في عملي أولاد أشقائي».. لافتًا إلى أن زبائنه يثقون بإتقانه لعمله بشكل مطلق، وبعضهم يتعامل معه منذ خمسة أعوام أو أكثر.

مخاطر المهنة
وعن مخاطر المهنة يقول: «من أصعب ما يواجهه الجزار في العيد هو خطر الإصابة بجروح بالغة في يديه أثناء عمله، الأمر الذي قد يعوقه بعض الشيء أو يجعله يتوقف تماما عن العمل في العيد، وبالتالي يكون العيد نكدا عليه وعلى أسرته التي تنتظر رزق العيد بفارغ الصبر طوال العام».
الجريدة الرسمية