رئيس التحرير
عصام كامل

عيد العنصرة أو يوم الخمسين


تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم الأحد، بعيد حلول الروح القدس "العنصرة".. بدأت الكنيسة بداية قوية في يوم الخمسين، وكان عملها الأساسي هو الكرازة باسم يسوع المسيح ابن الله الحي..


قبل الصعود حدد السيد المسيح لرسله الأطهار رسالتهم وهي الشهادة له.. فقال لهم: "لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض" (أع 8:1)؛ لأن في أورشليم تبدأ الكنيسة، ومنها تنتشر إلى كل بقاع الأرض ليعلن قبول المسيح لذبيحة الأمم وكهنوت الأمم.. وهذا هو التدرج الذي قصده رب المجد. 

والقديس متى يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس وعلموهم جميع ما أوصيتكم به، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت 19:28-20).

والقديس يوحنا يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه: "سلامي لكم كما أرسلني الأب أرسلكم أنا.. ولما قال هذا نفخ وقال لهم "اقبلوا الروح القدس.. من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 21)، "ليمكث معكم في الكنيسة إلى الأبد" (يو 14: 15)، و"أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله؛ لأنه لا يراه ولا يعرفه، أما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم لا أترككم يتامى" (يو 14: 15 -18)، "وأما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمى فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو 14: 26)، "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي" (يو 15: 26).

والقديس لوقا يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه: "وها أنا أرسل إليكم موعد أبي، فأقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي" (لو 24:49)، و"ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونوا لي شهودًا" (أع 1:8).

والقديس مرقس يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه عن النبوءة: "إنهم يتكلمون بألسنة جديدة" (مر 16: 17).

تكتمل قصة خلاص البشرية، بحلول روح الله القدوس في يوم الخمسين، جاء في سفر أعمال الرسل "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت، كما هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل منهم.. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا" (أع 2: 1-4)، وكان حلول الروح القدس مرتبطًا بصلب المسيح وقيامته؛ "لأن الروح القدس لم يكن قد أعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يو 7: 39).

وانبثاق الروح القدس من الأب كولادة الابن من الأب أيضًا قبل كل الدهور.. أما حلول الروح القدس على رسله الأطهار فموقوت بزمن، فالانبثاق أزلي، أما إرسال الروح القدس فزمني.

وقد تزامن الحلول مع صعود السيد المسيح إلى السماء "خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم، ومتى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم وبعد قليل تبصرونني ثم بعد قليل أيضًا لا ترونني لأني ذاهب إلى الأب" (يو 16: 7 -16). 

ولما حضر يوم الخمسين نحو ثلاثة آلاف نفس وكان منهم يهود أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم.. فلما سمعوا عظة بطرس الرسول نخسوا في قلوبهم.. فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا، وانضم في ذلك اليوم هؤلاء.. وافتتح الروح القدس في هذا اليوم العظيم أول مدرسة للغات والألسن، واعتمد تخرج أول دفعة منها، وبدأوا يتكلمون ويعظون الناس وكان الجميع يفهمون كما بلغاتهم الخاصة.. وهؤلاء التلاميذ ما هم إلا صيادون وبسطاء غير متعلمين، لقد انقلبت هذه الجماعة الخائفة إلى كنيسة مبشرة بعد حلول الروح القدس فهموا من هم؟، وما هي رسالتهم؟، وفهموا معنى كل ما حدث..

لقد علموا ووعظوا وعمدوا وبدأوا يكسرون الخبز، بالإضافة إلى كل العجائب والقوات والمعجزات والشفاء التي رافقت رسالتهم، فقد اختار الروح القدس مدينة أروشليم موطئا لقدمه على الأرض، وأوصاهم معلمهم بألا يبرحوا أورشليم ويقيموا فيها، لذا اعتكفوا تلك العشرة أيام في هذه المدينة في انتظار الروح القدس موعد الأب الذي سيرسله الابن.. ومدينة أورشليم هي مدينة الملك العظيم ليعلن سماته الجديدة لداوود، خاصة أن داوود نقل خيمة الاجتماع من جبعون إلى نوب فصارت أورشليم لا عاصمة سياسية فقط بل دينية أيضًا.. ومدينة أورشليم صلب فيها ابن الله المتجسد وخارج أسوارها وفوق ربوة منها فاضت روحه بين يدي أبيه (لو 23).  

وكما شهدت أورشليم أول قيامة قام بها المسيح باكورة الراقدين الذين سيقومون فجر يوم القيامة، ستشهد القيامة القيامة التالية لها ألا وهي قيامة النبيين العظيمين إيليا وأخنوخ، وكما شهدت جبالها أول صعود للسماء دار للملكوت، ستشهد أيضًا ثاني صعود في سحابة عظيمة لهذين الزيتونتين والمنارتين وكنيسته في ذات المدينة المقدسة والروح القدس يغطيها، غير أن هذه ليست مبنية بحجارة إنما كان بناؤها بانوها.

في يوم الخمسين عاد الروح القدس ليرف لا على وجه الماء وإنما على رءوس تلاميذ المسيح ورسله المكرمين؛ حتى لا تعود الأرض خربة وخالية ومظلمة ومغمورة رغم أنها مليئة بالإنسان (تك 1:2).

فالروح القدس ينزل الآن ليعطي العهد الجديد للتلاميذ ويحولهم من جماعة إلى كنيسة، كان شعب العهد القديم يحتفل في هذا العيد خمسين يوما بعد عيد الفصح اليهودي وكان يسمى عيد الأسابيع أو عيد البنتوكستي، وهي كلمة يونانية تعني الخمسين أي ذكرى استلام موسى الوصايا في جبل سيناء بعد خمسين يوما من الفصح (خر 19: 1)، وكانوا يحيون فيه تذكار عمود النار الذي قادهم في البرية، وتذكار الماء الذي خرج من الصخرة على يد موسى النبي.

وكلمة العنصرة تعني التجمع والوحدة (كان الجميع معًا بنفس واحدة) عشرة أيام، هي ما بين الصعود والعنصرة، والتلاميذ في أورشليم تنفيذًا لوصية الرب (لو 24).

وأخيرًا الخلاصة: حينما يعمل الروح القدس في نفس الإنسان تنمو وتزدهر، وتأتي بثمار جيدة كثيرة كما قال القديس بولس الرسول، في رسالته إلى كنيسته غلاطية "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف".

"روحك القدوس يا رب الذي أرسلته على تلاميذك القديسين ورسلك الأطهار في وقت الساعة الثالثة، هذا لا تنزعه منا أيها الصالح لكن جدده في أحشائنا قلبا نقيا، اخلق فينا يا الله روحًا مستقيمًا جدد في أحشائنا لا تطرحنا من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه منا".
الجريدة الرسمية