رئيس التحرير
عصام كامل

البنا: الحجاب لم يفرضه الإسلام بل فرض نفسه على الإسلام


بكثير من الآراء الصادمة والفتاوى اللا منطقية عرف جمال البنا طريق الشهرة باعتباره «مفكرا إسلاميا»، ولعلاقة المرأة بالرجل نصيب وافر مما اعتقده شقيق مؤسس جماعة الإخوان إنتاجا فكريا، فأباح ما أجمع على تحريمه علماء الإسلام، وحرم ما اتفق على أنه حلال، وليست قضية الحجاب ببعيدة.

بكتاب معنون بالاسم ذاته «الحجاب»، راح البنا يزعم ويدعى ويفند ويفسر ليصل في النهاية إلى الإفتاء بأن ارتداء المرأة للحجاب ليس من فروض الإسلام.

يرى المفكر الإسلامى الراحل جمال البنا أن المرأة المسلمة ليست في حاجة للحجاب في العصر الحالى لأنه يعيقها عن حياتها العملية، مدعيا أنه لا يوجد في الإسلام ما يثبت فرضية الحجاب، وأن شعر المرأة ليس عورة، ولا مانع من أن تؤدى صلاتها وهى بمفردها كاشفة شعرها.
وفى كتابه المثير للجدل المعنون بـ«الحجاب»، أعطى البنا للمرأة حق استشارتها فيما يخص فرض ارتدائها الحجاب من عدمه، آخذا على من أفتى بوجوب الحجاب تعامله معها على أنها أنثى وليست إنسانا.

البنا تطرق في الفصل الأول من كتابه «الحجاب» إلى الحديث عما اعتبره حرمانا للمرأة من أبسط حقوقها كإنسان، وهو حرية اختيار ما ترتديه من ملابس، بالإضافة لحرمانها من حق الخروج من البيت وقضاء الحوائج وغيرها، تلك التي تعانيها بقوة المجتمعات الشرقية لأنها لم تمر بالتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها الغرب.

وللبنا في إقبال المرأة المصرية على ارتداء الحجاب تفسير: «الحجاب بالصورة التي انتهت إليه المرأة المصرية، والذي يتكون من إيشارب حريرى وطرحة بيضاء عادة تغطى رأسها بحيث تحجب شعرها وتظهر وجهها ثم تسدلها على كتفيها كان حلًا عمليًا لقضية غطاء الرأس، وحقيقة أنه «عملى» لا يصعب ارتداؤه ولا يثقل كأهل الفقير، هي من أكبر أسباب نجاحه وانتشاره».

ورأى أن الحجاب بهذه الصورة لا يطمس شخصية المرأة لأنه يظهر وجهها وكفيها وشأنها في هذا كشأن الرجل تقريبًا، ولا يسىء إلى جمالها، بل لعله يضفى عليها جمالًا ويظهرها كحمامة بيضاء، على الرغم من اخفائه شعرها والذي يعتبر تاجا لها.

لكن رده على من يعتبرون النقاب فرضا على المرأة المسلمة جاء صادما، حين قال «إننا نرفض تمامًا هذا النقاب ونعتبره جريمة لا تغتفر في حق المجتمع، وفى حق المرأة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال السماح به».

ولم يتورع البنا عن اعتبار الأثر الأعظم للحجاب على المرأة هو تغييبها عن المجتمع، بقوله» فمع أن الحجاب قد لا يمنع الاختلاط، وقد يكون ستارا أو بابًا يمنع اقتحام السبيل إلى المرأة كما هو الحال في المضمون القرآنى لكلمة «حجاب»، والتي خص بها زوجات الرسول، فإن المعنى اللغوى العام لكلمة «حجاب» سيطر على نفسية الذين تعاملوا معه رجالًا ونساءً، بحيث أخذ شكل النقاب الكثيف الذي يغطى الرأس والوجه ولا يسمح إلا بفتحة واحدة لعين كما ارتأى ذلك ابن عباس، وكان في الوقت نفسه متفقًا مع إرث التاريخ وميول المجتمع الذكورى، بحيث كانت النتيجة حجب النساء عن الرجال، وتغييب المرأة عن المجتمع وعزلها في البيوت وإذا تطلبت الضرورات خروجها فيجب أن يتم ذلك أولًا بإذن وليها من أب أو زوج أو أخ، وثانيًا مع محرم، وثالثا أن تكون مرتدية زيا يغطيها من رأسها إلى قدميها.

التأثير السلبى للحجاب على المجتمع هو ما رأى البنا أهمية إدراجه في الفصل الثانى من الكتاب، فقال «إن انتقاص شخصية المرأة وإهدار استقلاليتها وحريتها انعكس على تربيتها لأطفالها بحيث عجزت عن أن تقدم الجيل الصحيح الجسم الصحيح النفس صاحب الإرادة والذي يستطيع أن يعتمد على نفسه، وهى العيوب القاتلة التي تصاحب الأطفال بعد أن يشبوا ويصبحوا رجالًا أو نساءً، وتصبح من أكبر عوامل تخلف المجتمع».

مضيفًالتأكيد وجهة نظره «حرم الحجاب المجتمع من تعليم المرأة، فقد كان الرأى الفقهى السائد هو ألا تتعلم المرأة إلا الفاتحة وخمسا أو ستا من قصار السور تؤدى بها الصلاة، أما ما عدا ذلك فلا يلزمها، ويقتصر دورها في أن تلد وترضع وتطبخ وتغسل».

ولم تسلم مختلف حضارات العالم بما فيها الهندية والصينية والآشورية واليونانية والرومانية والفارسية والبيزنطية، من انتقاد البنا، فأكد أن نظمها الاجتماعية عملت على تغييب المرأة عن المجتمع، وقصر دورها على البيت، وكانت أداة ذلك هي الحجاب، مشيرا إلى أن النظم الاجتماعية، والقوانين والتقاليد كلها من فجر البشرية حتى مشارف العصر، وكذلك اليهودية والمسيحية تحالفت على تأخير المرأة، وإعطائها صفة دونية وحرمتها من الحقوق والاستقلال بشئونها كاملة، وفرضت عليها وصاية الأب، وحدث هذا قبل ظهور الإسلام بوقت طويل، بحيث يمكن القول إن الحجاب فرض نفسه على الإسلام، وليس الإسلام هو الذي فرض الحجاب على المرأة.

وعمد في الفصل الرابع إلى الحديث عن التقاليد ذات الصلة بالحجاب، مؤكدا أنها ليست إلا صورة من صور الوثنية لأنها هي ما فعله الآباء والأجداد، واعتبارها تشريعًا وتحليلًا وتحريمًا، وليس هناك فرق بين هؤلاء وبين الذين انتقدهم القرآن لأنهم اتخذوا أحبارهم أربابًا من دون الله.

واشتشهد جمال البنا في الفصل التالى بعدد من الآيات للتدليل على أن القرآن الكريم لا يستخدم كلمة «حجاب» بمعنى زي، وأن تفسيرها بهذا المعنى تفسير خاطئ، وأن تعبير «تحجبت» لا يستقيم مع المعنى القرآنى لكلمة حجاب، مشيرا إلى أن الآية 53 في سورة الأحزاب «يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى إلا أن يؤذن لكم..» لم تكن دليلا على فرض النقاب كما فسرها البعض ولكنها فقط تعليم للمسلمين لآداب الزيارة والاستئذان، بل إن الآية التي تأمر النساء بأن يضربن بخمرهن على جيوبهن لا تعنى الحجاب، وإنما تعنى تغطية فتحة الصدر في ثيابهن فقط، كما أن باقى الآيات صيغت في إطار عام ولم تحدد الشكل تفصيلا.

وفى الوقت الذي اعتبر فيه البنا أن نساء الإسلام حققن إنجازا ونجحن فيما فشل فيه رجاله من خلال ارتدائهن زيًا موحدًا على مستوى العالم صار كـ»الماركة المسجلة» للمرأة المسلمة، أشار إلى أن الحجاب يثير عددا من القضايا، قائلا: «إذا كنا نقبله ولا نرفضه، فإن هذا لا يعنى أنه مفروض على النساء بحكم الإسلام، وأن من لا تلبسه تجاوز الإسلام».

فكرة حجب المرأة عن الرجل الذي ستتزوجه نالت نصيبا من كتاب»الحجاب»، حين قال البنا «في نظرنا إن فكرة الولى وتغييب المرأة عن حضور عقد زواجها والاكتفاء بالإعراب عن رضاها بصمتها، لم تعد تتفق مع أصول الإسلام الذي ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق بصفة عامة كما أنه يفترض الرضا في العقود وأن الإجبار أو الإغفال يفسد العقود»، زاعما أن الرسول أمضى زواجًا دون ولى، ودون شهود ودون مهر.

وفى رأى البنا «الاختلاط ضرورة»، حتى لو حدثت بعض الأخطاء، فالإنسان عندما تصدمه سيارة في الشارع، لا يكون ذلك مدعاة لإلغاء السير فيه، موضحا أنه لا يستسيغ عزل النساء عن الرجال، بينما التطورات الحالية تفرض لهن حقوقا سياسية واجتماعية واقتصادية مساوية للرجال، متسائلا: كيف نعزل وزيرة عن بقية الوزراء لأنها انثى. وفى أمر غريب من نوعه، قال البنا إن الشهود في عقد الزواج دورهم توثيقى فقط، فيكفى رضا وتوافق الرجل والمرأة على الزواج وحصول توافق بينهما لتصبح علاقتهما صحيحة، بشرط وجود النية باستمرار هذا الزواج وقبول نتائجه المتمثلة في الإنجاب والإقامة في بيت واحد.
الجريدة الرسمية