رئيس التحرير
عصام كامل

القضاء بين المتهم اللئيم.. والطّرُوبْش!


من المؤكد أن حالة القضاء المعاصر سوف تحتل إحدى أهم صفحات كتاب "التأريخ".. ذلك أن مآلات الأحداث السياسية منذ أربع سنوات طرحت بل ما زالت مطروحة أمام منصة القضاء.


غير أن هناك حقيقة راسخة وحاكمة فيما يتعلق بحالة الرضا عن أحكام القضاء، وهى أنه من المستحيل أن تحظى الأحكام بالرضا المطلق من كل الأطراف.. فمن حكم له القضاء يرضى ومن حكم ضده يسخط، ولنا في التراث دليل، إذ تقول الطقطوقة الشهيرة أبوها راضى وأنا راضى / مالك انت بقى وما لنا يا قاضى!

بداية..وقولًا واحدًا.. أختلف مع كل من ينظر بارتياب إلى القاضى الذي أصدر الحكم.. هو يحكم بما بين يديه من أدلة.. "الأوراق والأحراز والاعتراف"، والفيصل هو مدى دقة منظومة الضبط والجهة المنوط بها تقديم الأدلة.

استدعيت حكاية طريفة دارت وقائعها بالعراق، تضيف عاملًا آخر يبرئ ساحة المحكمة إذا أفلت المتهم من العقوبة لعدم دقة الأدلة وارتباك منظومة الضبط.. هذا العامل هو "مهارة المتهم في الإفلات من العقوبة".

الحكاية من بغداد عاصمة العراق.. أغرق الحشيش البلاد، تعاطوه علنًا بالمقاهى والغرز.. الظاهرة أزعجت الحاكم فأمر بإغلاق المقاهى وتحطيم الغرز.. ظلت الغرز تعمل تحت جنح الظلام.. إحداها اعتاد استقبال مجموعتين فقط، كل منهما من أربعة أو خمسة حشاشين.. إلا رجل أنيق هادئ يجلس بمفرده كل ليلة يضرب الحجرين في صمت ثم ينصرف بهدوء.. ذات ليلة داهمت الغرزة كبسة مباحث قبضت على خمسة حشاشين ثم أحيلوا للمحاكمة بتهمة التعاطى.

في جلسة الحكم، حكم القاضى بالحبس ثلاث سنوات لكل متهم.. من بين المحكوم عليهم رجل ظل طوال الجلسات التي سبقت جلسة الحكم يتطلع في وجه القاضى بتركيز شديد، كان واضحًا أنه يريد توصيل رسالة معينة إلى ذلك القاضى، وقد ظلت الرسالة لغزًا إلى أن نطق القاضى بالحكم فكشف عنها النقاب بصورة لم يفهمها سوى القاضى.. كان الحشاش المتهم قد تأكد أن القاضى هو ذلك الرجل الأنيق الصامت زبون الغرزة كل ليلة بمفرده، يضرب الحجارة وينصرف..وفى ليلة الكبسة تمكن من الانسلاخ بهدوء وثبات فلم يقبض عليه..

وبعد النطق بالحكم طلب الحشاش المحكوم عليه بثلاث سنوات أن يتحدث فأذِن له القاضى.. قال الرجل: يا حضرة القاضى.. من يتعاطى حجري حشيش يعاقب بثلاث سنوات كحبس؟!..قال القاضى وهو يتحاشى النظر للرجل متظاهرًا بترتيب الأوراق: أيوه.. فكرر الرجل السؤال بطريقة تلفت انتباه القاضى وتذكره بأنه من رواد الغرزة قائلًا: يا باشا..يا باااااشا.. اللى يحشش ياخد تلات سنين؟!! فتطلع إليه القاضى من تحت النظارة وقال: آه..اللى يحشش.. "ويتمسك".
ألم أقل إن مهارة الإفلات أهم من مليون دليل؟!
الجريدة الرسمية