رئيس التحرير
عصام كامل

صوم يونان النبي العظيم


تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بصوم يونان النبي القديس العظيم أو صوم مدينة أهل نينوى العظيمة.. هذا الصوم المبارك من أهم مناسبات شهر فبراير من كل عام.. وله قدسية عظيمة وهو الصوم الذي وضعته لنا الكنيسة تمهيدًا واستعدادًا للدخول في أقدس أيام السنة القبطية التي هي فترة الصوم المقدس الكبير.


وأيام صوم يونان النبي الثلاثة تعتبر من الأيام المهمة جدًا في الكنيسة، بل هي فترة نهضة روحية رائعة من أجمل أيام السنة.. إذ نجد فيها الشعب مواظبًا على الصوم الانقطاعي حتى غروب الشمس والأطفال معهم أيضًا، وحضور القداس الإلهي، والتناول من الأسرار المقدسة.

ولقد وضعت لنا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هذا الصوم؛ لأن قصة توبة أهل نينوى من قصص التوبة المهمة جدًا في الكتاب المقدس، فهي توبة جماعية، وأيضًا توبة أمينة.

*التوبة الجماعية
رأيناها في توبة الشعب بأكمله.. "فآمن أهل مدينة نينوى العراقية بالله ونادوا بالصوم ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم".

إن الكنيسة تفرح فرحًا إلهيًا عندما يعيش الشعب جميعه حياة التوبة والفرح والرجوع لله، إننا كما نحرص ونهتم ونجاهد لأجل حياتنا مع الله، كذلك علينا أيضًا أن نهتم بالآخرين، فالكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية هي جسد الرب يسوع المسيح الواحد، وكل أعضائها يهتمون ببعضهم البعض.. لذلك فصلاتك من أجل الآخرين مهمة وصلاتك من أجل أسرتك وأقربائك وأصدقائك وزملائك هامة جدًا.

* التوبة الأمينة الحقيقية
فقد رأينا كيف أنهم تغطوا بالمسوح (ثياب من الخيش) علامة عن التذلل والانسحاق والخضوع.. وصرخوا إلى الله بشدة ورجعوا عن أفعالهم الرديئة والشريرة وعن كل أنواع الظلم الذي يفعلونه، لهذا قبل الله أبو الرحمة ونبع الخلاص توبتهم الحقيقية؛ لأنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.. وكما يقول الإنجيل المقدس "فلما رأى الرب أعمالهم الحقيقية الجادة والرجوع عن كل فعل شرير، ندم الله على عقوبته القاسية الذي تكلم أن يفعلها معهم فلم يفعلها".

وهذا سؤال لكل واحد فينا: هل عندما تتقدم إلى سر الاعتراف المقدس أمام الله وعلى يد الكاهن الرسولي حامل هذا السلطان، وتعترف بخطاياك.. تقدم بالفعل توبة حقيقية وتكون نادمًا عن كل فعل فعلته يغضب الله، وتريد ألا تكرره مرة أخرى.. أم أن اعترافك يكون بمجرد سرد فقط للخطايا دون الندم والتوبة عنها؟

الإنسان الخاطئ محاط عادة بالضعف ومحارب باليأس ويشعر بالظلمة والارتباك في حياته مغلوبًا على أمره، لذلك هو محتاج في توبته أن يتطلع إلى النعمة والقوة الإلهية التي تسنده في توبته وتعينه على التغلب على ما يصادفه من حروب إبليس، وهو محتاح إلى أن يتطلع إلى الصليب وإلى الكنيسة وإلى الأبدية وميراث الملكوت، ومعنى هذا أن إمكانية التوبة متاحة لكل من يعيش في مناخ الجو الكنسي وممارسته الروحية ووسائط النعمة والأسرار المقدسة.

والقديس يوحنا ذهبي الفم يقول "انظر ذاتك أيضًا فإنك متى تذكرت خطيتك فالله لا يذكرها، وإن نسيتها فالله لا ينساها"، وهذا معناه أن الله بتوبتنًا ينسى خطايانا الكثيرة ولا يعود يذكرها أو يديننا عليها، وفي هذا المجال طبعًا نحذر من تذكار الشر الملبس الموت بمعنى أننا لا نتذكر تفاصيل الخطية وملابساتها لئلا تعاودنا مرة ثانية مشاعر الخطية ونشتاق للرجوع إليها.. وإنما نتذكر ضعفنا مرددين مع داوود النبي "لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت.. خطيتي أمامي في كل حين" (مزمور 50).

وهكذا نجد كل كلمات الكتاب المقدس تعلمنا عن قبول الله للخطائين والتائبين الحقيقيين، وكيف أنه يكون فرحا في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة (لوقا 15).

ولنتذكر أن الله الذي هو غنى في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح، وأنه لا يشاء أن يهلك أناسا بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.. ولنتذكر معاملات الرب يسوع مع الخطاة التي تذخر بها الكتب المقدسة، فهي تؤكد لنا محبة الله للخطاة وكيف يود خلاصهم ويشتهي رجوعهم وتوبتهم.

فلنحرص على تقديم التوبة الحقيقية والاعتراف الأمين، وإلهنا الصالح محب البشر الذي قبل توبة أهل نينوى قادر على أن يقبل توبتنا، فذراعاه مفتوحتان دائمًا لقبول التائبين "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا".

وفي هذه الأيام المباركة الثلاثة، نرفع قلوبنا إلى الله القدوس أن يحفظ بلادنا الحبيبة مصر من كل سوء وأن يحفظ شعبها ورئيسها وكل العاملين بها بصلوات صاحب القداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني.
الجريدة الرسمية