رئيس التحرير
عصام كامل

عليه الصلاة والسلام!


أعرف أن الموضوع دقيق، وأعرف أن الكلام فيه أدق، وأدرك أن الرد سوف يسبق العقل، وأن العاطفة سوف تغلب، وأن من يدخلون إلى هذه الدائرة فإنهم يدخلون دائرة الخطر، وسوف يوصفون بما ليس فيهم، وسوف يتم التفتيش في نواياهم التي لا يعلمها غير الله !! 

أعرف كل هذا وأدركه.. لكني لا أعرف أننا نعيش الآن في زمن قريش، ولا أعرف أن مصر والمصريين الذين حافظوا على الدين منذ دخوله هذه البلاد يحتاجون الآن إلى من يقول لهم هل نسيتم أن تصلوا على النبي من خلال ورقة يتم لصقها على الحوائط والسيارات وأعمدة الإنارة ؟!! ولا أعرف أن الشعب الذي عرف التوحيد قبل نزول الدين ونزول الوحي وبعث الرسل يحتاج إلى من يقول له هذا القول خصوصا وأن المسلمين في هذا الوطن يصلون على النبي في صلاتهم الخمس مرات عديدة ويختمون دعاءهم بالصلاة والسلام عليه وعلي كل الأنبياء والمرسلين، ويفعل ذلك من لا يؤدون فريضة الصلاة عندما يسمعون ذكر النبي في أي حديث أو حوار.

الفكرة انتشرت بسرعة ولفتت الانتباه بشكل أسرع.. لماذا هذا الطرح.. ولماذا بهذه الطريقة ؟ هذا هو السؤال الذي يجب الانتباه إلى إجابته جيدا..والتي في الغالب لن تخرج عن كونها فخا نصبته قوي الشر ليقع فيه الشعب المصري الذي يتحدث دائما عن النسيج الواحد وعن أنه شعب يستعصى على الفتنة الطائفية رغم كل المحاولات التي جرت من قبل وفشلت فشلا ذريعا فيقوم الأخوة الأقباط بنشر ملصقات تقول هل مجدت السيد المسيح ثم تتحول اللعبة الجهنمية إلى فتنة لا قدر الله فتسقط المواطنة وتسقط معها الدولة !!

كما أنه فخ نصبته الجماعة ومن يلف لفها للإيقاع بالشرطة وتوريطها عندما تسعي لرفع هذه الملصقات في إطار عملية الانضباط التي تسعي السلطة الجديدة في البلاد لتحقيقها فتبدو وكأنها ضد الدين وضد النبي الكريم وهذا ما يؤكد أنها قضية حق يراد بها باطل، كما أنها طريقة غير أخلاقية في استخدام الدين في الاختلاف السياسي !! 

القضية أخطر وأعمق من مجرد الدعوة للصلاة على النبي أو تذكير المسلمين بذلك.. القضية لها علاقة واضحة بتكريس حالة تصلح أساسا لإشعال فتنة طائفية ينتصر فيها كل فريق لدينه وأتباعه فتنصرف أذهان الناس عن قضية الدولة الوطنية التي تم استردادها من الذين اختطفوها وكادوا أن يضيعوها للأبد، ولها علاقة بضرورة إفشال 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو خصوصا ونحن نتجه بثبات إلى إنجاز المرحلة الأخيرة من خارطة المستقبل وتشكيل مؤسسات الدولة.

ما يحدث ويراه البعض دعوة لنشر الدين وعودة إلى الإسلام واهتداء بالرسول الكريم هو دعوة لتقسيم الوطن وجره إلى فتنة تعقبها حرب أهلية، وبنظرية المؤامرة التي لم تعد خافية على أحد حيث تجري على أرض الواقع وصارت حقيقة جلية فإن ما يحدث انتظار إلى تصعيد آخر حسب استجابة الجهلاء هو مقدمة لفتح الطريق أمام التيارات المتطرفة، وهي رسائل مثل رسائل التتار في زمن هولاكو، ونحن نري دعوة داعش في العراق لهدم الكنائس وطرد المسيحيين منها !! ولأنها لا تجدي في مصر بهذه الطريقة فربما التغلغل من خلال مثل هذه الدعوات الناعمة التي لا يجرؤ الناس على مواجهتها وإبراز النوايا السيئة من خلالها يسهل تمهيد الطريق.

قد يري البعض مبالغة في الكلام أو تمسكا بنظرية المؤامرة أو فلسفة أو فذلكة، ولهم أقول عودوا إلى السؤال.. لماذا الآن ولماذا بهذه الطريقة ؟ هل لدى أصحاب هذه الدعوة ما يقول إن الشعب المصري انصرف عن دينه.. هل فتشوا في قلوب الناس وشقوا عن صدورهم.. هل وجد أصحاب الدعوة ما يهدد الإسلام أم أنهم يصنعون فزاعة جديدة لتحقيق أغراض سياسية ليس لها علاقة بالدين؟

الصلاة على النبي ليست من اللسان وليست بالأقوال، الصلاة على النبي بالأفعال والاهتداء بسنته التي ترفع شأن الإنسان مسلما أو مسيحيا أو كتابيا.. الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها ومن يؤجج نارها ومن يدعو لها بتلبيس الباطل ثوب الحق، وتلبيس الحق ثوب الباطل.
الجريدة الرسمية