رئيس التحرير
عصام كامل

ضربة البداية


انتهى استحقاق انتخابات الرئاسة، وصار عبد الفتاح السيسي رئيسًا للجمهورية.. أمام الرئيس الجديد ملفات عدة على الصعيدين الداخلى والخارجى.

الملفات الملحة داخليًا متعددة وثقيلة.. الاقتصاد.. الأمن.. استعادة عافية دولاب الإنتاج.. البطالة.. الدعم.. الأسعار.. الطاقة.. مهام الدولة الخدمية من تعليم وصحة وإسكان ومرافق....إلخ..

والملفات الخارجية أيضًا عديدة وشائكة.. إسرائيل وحماس.. وتوترات الحدود الليبية، وسد النهضة، والعودة إلى حضن الاتحاد الأفريقى، ووضع قطار العلاقات الأوربية على قضبانه.. كل هذا ملقى على عاتق الرئيس الجديد، الذي قال بكل الوضوح إنه لا يمتلك عصا سحرية.. نحن أمام رئيس لا هو مبتكر، ولا فيلسوف، ولا صاحب حركة إصلاحية.. هو مواطن ذو خبرة طويلة ومنضبطة داخل أعلى مؤسسات الدولة قوة وتماسكًا وتنظيمًا وانضباطًا، هيَّأت له الأقدار أن يمسك بدفَّة سفينة الوطن بعد أحداث متلاحقة وملتهبة.

السؤال.. أي الملفات أهم؟ أو أي الملفات أكثر إلحاحًا وأولى بأن يحظى بضربة البداية؟
في تقديرى وبكامل قناعتى.. إن الأرضية التي تنطلق منها كل الإصلاحات على مستوى جميع الملفات، هي تسريع تحقيق السلام الاجتماعى ووحدة الوطن والعدالة والكرامة واحترام المواطن صانع حاضر ومستقبل الوطن.. وذلك لا يتم إلا من خلال رؤية جديدة وشُجاعة، وحركة إدارة وسياسة خارج الأُطُر التقليدية.

من هنا فإن الملف الأولى بضربة البداية هو ملف "المصالحة" مهما كانت التنازلات.. أنا هنا لا أبتعد كثيرًا عن مساحة تؤخذ في الحسبان بكل جدية في تفكير السيسي، واستشهد بما قاله عن تأثير التظاهرات المستمرة في يسر حركة الحياة والبلد.. إذن لنعترف بأنها مصدر قلق وتوتر وعدم ارتياح، لذا فإن رأب الصدع وسد الشروخ التي سرحت في جدران الوطن هي العنوان الأول في ملف المصالحة، الذي ينبغى على السيسي فتحه وقراءته بعناية ثم التعامل معه مباشرة ودون إبطاء.

وعلى الإعلام أن يجعل من قضية "التسامح أولًا" قضية أساسية ومحورية بتكثيف كبير.. وتمهيد أرضية الوجدان المصرى "لاستطعام" ثقافة التسامح النبيلة بما يمَكِّن الجميع من التعاطى معها، والحركة في فلكها عبر فضاء من المشاعر الإنسانية الراقية، بكل بساطتها وعفويتها وشمولها، دون قيود أو حدود، بما يسمح بقبول الجميع للجميع تحت مظلة الحق المطلق في التعبير والاختلاف.

إن إعلاء مبدأ التسامح والسعى نحو المصالحة الوطنية والمجتمعية يشكِّل استجابة لنداء الضمير الجمعى المصرى في هذه المرحلة، الأمر الذي يتطلب خلق حالة من الثقة وحسن النوايا، لتيسير عملية التسامح ونشرها بسلاسة ويسر.

الأخير فينا ما لم نعترف بأن الأحداث والمواجهات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، قد خلَّفَت أحزانًا وآلامًا ومرارات لدى قطاعات كبيرة من الناس.. لذا فإن بداية عهد جديد تستلزم تضميد الجراح.. لكن لا يعقل أن يغلق الجرح على غير نظافة.. فالجرح المغلق على صديد مخاطره وخيمة.

لنتوقف جميعًا عن التراشق والتشنج.. لأن كل طرف حين يرى أنه هو وحده من يمتلك الحق والمشروعية، فإن ذلك يدفع حتمًا باتجاه صدام مروع، ينتهى بمنتصر ومهزوم، ورابح وخاسر.. ويظن الطرفان أنهما وصلا إلى حل للصراع، الأمر الذي يعمِّق من حالة التطاحن والتعصب ثم الصدام الحتمى الذي يدفع ثمنه الوطن.. وهناك شعوب كثيرة سارت على النهج الرافض لثقافة التسامح، ودفعت ثمنًا باهظًا ولم تشف جراحها عبر الزمن، والتاريخ مزدحم بحروب داخلية من هذا القبيل كتبت كلها بالدم والدموع والأسى.

ليطلق السيسي إشارة البدء بالحوار.. إن التمسك بالحوار، وإقصاء فكرة الانتقام والثأر وتركها للقانون والأعراف، هو ما ينبغى أن نمسك بتلابيبه ونعض عليه الآن بالنواجز.

هنا نجد أنفسنا أمام متلازمة أو ثنائية "التسامح والتنازل".. ذلك أن التنازل هو أساس فكرة التسامح التي تقوم على أساس اشتراك الجميع في طى السجلات التي تخللتها أعمال التهميش والإقصاء والظلم والتعسف.. مبدأ التنازل يفرد للتسامح مساحة أكثر رحابة واتساعًا، لأن فكرة التسامح تنبع من إرادة الفرقاء الذين يقبلون بالتنازل ــ عن رضا ــ عن بعض ما تراه جهة منهم على أنها حق يجب أن يؤخذ.. وهنا ينبغى أن يدرك من يتنازل أنه ليس الطرف الضعيف.. لأن التنازل لا يصب في مصلحة خصمك الذي تتصالح معه، وإنما يصب حتمًا لصالح الجميع.. لصالح المجتمع والوطن.
الجريدة الرسمية