ما بعد الإخوان، كيف يخطط الإسلاميون للوصول إلى السلطة؟
لا تنتهي التساؤلات حول الطريقة التي تفكر بها جماعات الإسلام السياسي، بعد سقوط الإخوان، حيث يظل السؤال الأبرز مطروحًا حول شغفها بالبحث عن السلطة، وطبيعة علاقتها بالعنف، وحدود الفصل بين العمل الدعوي والممارسة السياسية، وبين الخطاب السلمي المعلن والخيارات غير المعلنة التي قد تستخدم في لحظات التحول أو الصدام، حسب ما جرى في تجارب واقعية شهدتها دول المنطقة على مدار عقود.
هل التيارات الدينية حركات إصلاحية؟
يرى عمرو عبد الحافظ، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أن جماعات الإسلام السياسي، على اختلاف تنظيماتها، تتفق جميعها على هدف الوصول إلى الحكم، مؤكدًا أن الخلاف الحقيقي داخل هذا التيار لا يدور حول الغاية بقدر ما يتمحور حول الوسيلة، سواء عبر المسار السلمي أو باستخدام العنف في توقيتات مختلفة.
وفي مراحل مبكرة، قدمت هذه الجماعات نفسها بوصفها حركات إصلاحية تسعى للتغيير التدريجي من داخل المجتمع، مع تأكيد متكرر على نبذ العنف واحترام الدولة الوطنية، غير أن هذا الخطاب ظل محل تشكيك، خاصة مع تكرار ظهور أجنحة سرية أو تنظيمات موازية تبنّت مسارات أكثر حدة، سواء داخل التنظيمات الكبرى أو على هامشها.
ومع اتساع رقعة الصراعات في المنطقة، واندلاع موجات احتجاجية وسياسية كبرى، عاد الجدل بقوة حول حقيقة التزام الإسلام السياسي بالسلمية، وهل كان ذلك خيارًا مبدئيًا أم تكتيكًا فرضته موازين القوة والظروف السياسية. هذه الأسئلة ازدادت تعقيدًا مع صعود بعض هذه الجماعات إلى الحكم، ثم سقوطها لاحقًا في تجارب قصيرة ومضطربة.
كما لعبت التحولات الإقليمية والدولية دورًا مؤثرًا في إعادة تشكيل هذا الجدل، خاصة مع تباين المواقف الدولية تجاه تصنيف الجماعات الإسلامية، وتفاوت التعاطي مع العنف بين الرفض والإدانة أحيانًا، والتغاضي أو الاحتواء أحيانًا أخرى، وهو ما فتح الباب أمام قراءات متناقضة داخل التيار نفسه.
في هذا السياق الملتبس، بات من الصعب الحديث عن الإسلام السياسي ككتلة واحدة متجانسة، دون التوقف أمام الانقسامات الداخلية العميقة، وصراع الرؤى حول الطريق الأقصر والأكثر فاعلية للوصول إلى السلطة، وهو صراع لا يزال حاضرًا حتى اليوم.
الجذور التاريخية للازدواجية داخل جماعة الإخوان
يوضح عبد الحافظ أن هذه الازدواجية تعود إلى تأسيس جماعة الإخوان على يد حسن البنا، حيث قدمت الجماعة في إطار دعوي سياسي علني، بينما جرى في الوقت ذاته إنشاء تنظيم سري مسلح عرف بـ«النظام الخاص»، كان من بين أهدافه السيطرة على الحكم.
وهذا التكوين بحسب الباحث، أسس لاعتماد مسارين متوازيين داخل الجماعة، مسار سلمي ظاهر، وآخر عنيف كامن، لم يتم التخلي عنه بقدر ما جرى تأجيل تفعيله في مراحل تاريخية مختلفة بسبب قوة الدولة ومؤسساتها، وليس نتيجة رفض مبدئي لاستخدام العنف.
ويشير إلى أن هذا النموذج ترك أثره على خريطة الإسلام السياسي لاحقًا، حيث ظهرت تنظيمات أخرى انتقدت الإخوان لما اعتبرته اكتفاءً بالعمل السلمي، واتجهت إلى تبني العنف كخيار وحيد لتحقيق ما تصفه بالتمكين، وهو ما خلق حالة من التنافس الحاد داخل التيار الإسلامي، بل وداخل جماعة الإخوان نفسها.
ما بعد 30 يونيو، صراع الأجنحة داخل التنظيم
ويلفت عبد الحافظ إلى أن ما أعقب أحداث 30 يونيو كشف عن انقسام واضح داخل جماعة الإخوان، بين جبهة دفعت نحو توسيع استخدام العنف ضد الدولة المصرية، وأخرى تحفظت على هذا الخيار خشية تبعاته السياسية والأمنية، دون أن يصل هذا التحفظ إلى حد رفض العنف من حيث المبدأ.
ويضيف أن تجارب ما عرف بثورات الربيع العربي عمّقت هذا الجدل، حيث استخدم أنصار المسار السلمي وصول الإخوان إلى الحكم في مصر وتونس باعتباره دليلًا على فاعلية هذا النهج، بينما رأى أنصار المسار العنيف في سقوط هذه التجارب لاحقًا برهانًا على فشل السلمية.
كما جرى توظيف تطورات المشهد الإقليمي والدولي في هذا الصراع، سواء عبر الاستدلال بتجارب العنف في سوريا، أو من خلال المواقف الدولية المتناقضة تجاه تصنيف الجماعات، وهي مواقف يستغلها أنصار العنف للتأكيد على روايتهم بأن العالم لا يعترف إلا بمن يمتلك القوة.
ويختتم عبد الحافظ بالتأكيد على أن العنف يظل خيارًا حاضرًا داخل جميع جماعات الإسلام السياسي، إما كمسار معلن لدى بعض التنظيمات، أو كخيار مؤجل ومختبئ خلف خطاب سلمي لدى تنظيمات أخرى، وهو ما يفسر استمرار الصراع داخل هذا التيار دون حسم نهائي حتى الآن.