فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

كيلو وربع بـ 10

 * قبل أول تعويم للجنيه يوم الخميس 3 نوفمبر 2016، كنت أذهب إلى سوق شعبي مجاور يقام مرة في الأسبوع لشراء مستلزمات الشهر، كانت الجنيهات العشرة هي وحدة التعامل والبيع للخضار والفاكهة، يصدح بها كل الباعة وينادون: 3 بـ 10 و2 بـ 10 وكيلو ونص بـ 10 وكيلو وربع بـ 10، نادرا ماكان الباعة ينادون الكيلو بـ 10، لأن غالبية الأسعار حتى ذلك اليوم كانت تحت العشرة جنيهات.


وبين نوفمبر 2016  ونوفمبر 2025  تسع سنوات جرت خلالها مياه كثيرة من تحت جسور الأسعار وقفزت بنسب غير مسبوقة في تاريخ أي دولة، حتى أن من كان يعيش في مصر وغاب عنها وعاد إليها مؤخرًا قد يتصور أنه غاب عنها 100 عام وليس تسعة.


هذا السوق الشعبي مازال قائمًا منذ سنوات، ذهبت إليه مؤخرًا وسألت بائع التفاح عن سعره بكلمة واحدة: بكام، فأجاب كيلو وربع بـ 10، قلت له "هو إيه دا اللي كيلو وربع بـ 10"؟.. قال بصيغة الدهشة والسخرية من ردي: يا أستاذ كلك مفهومية، هو إنت ماتعرفش إن الـ 10 بقت 100.



* بمناسبة الخميس 3 نوفمبر 2016، لا يؤرخ هذا اليوم فقط لبداية تعويم الجنيه في مصر، لكنه يؤرخ أيضًا لبداية سلسلة من ارتفاعات أسعار البنزين، في هذا اليوم ازدحمت محطات البنزين بطوابير السيارات بعد أن خرج الكثيرون للتفويل قبل الساعة 12 ليلًا.. 

وهو الموعد المحدد لرفع سعر بنزين 80 إلى 2.35 جنيه للتر بدلًا من 1.6 جنيه، وبنزين 92 إلى 3.5 جنيه، والسولار إلى 2.35 جنيه وأسطوانة البوتاجاز من 8 إلى 15 جنيهًا، لم يكن هؤلاء الذين خرجوا لـ «التفويل» يتوقعون أن تتكرر هذه الزيادة 12 مرة.



 * توائما مع تضاعف الأسعار، لجأت بعض المحلات إلى حيلة غريبة بعرض أسعار منتجاتها بوضع بانرات تجعل ربع الكيلو هو وحدة الوزن وليس الكيلو، تخطف عينك بالرقم، وعندما تقرر الشراء تصاب بصدمة بعدما تكتشف أن الرقم هو سعر ربع الكيلو.

*أعرف ناس قلصت عدد وجباتها اليومية إلى واحدة فقط لكي تستطيع البقاء على قيد الحياة دون أن تمد يدها لأحد، انا شخصيا بدأت أفعل ذلك على سبيل التمرين مرة أو مرتين أسبوعيا، وأعرف ناس اضطرت لبيع أصول وممتلكات، ومنهم من انتقل من شقة كبيرة إلى شقة صغيرة.. 

وفريق ثالث لجأ إلى تأجير شقته ليؤجر شقة أخري، ورابع انتقل من المعيشة في حي راق إلى حى متوسط ليستفيد بالفرق، وآخرون أسقطوا بنود إنفاق كثيرة واكتفوا ببند الأكل فقط.. وهكذا وجد الكثيرون أنفسهم أمام معادلة صعبة للتعايش مع الظروف المعيشية الراهنة وتغطية النفقات المرتفعة.    

 * في نفس هذا المكان وقبل 6 سنوات وبالتحديد يوم 5 أكتوبر 2019، كتبت مقالا بعنوان: يحدث فى الأتوبيس «أبو 7 جنيه»، وهالنى وأفزعنى وقتها ما شاهدته من رد فعل ركاب كثيرين كانو يصعدون للأتوبيس ثم يقررون النزول بعد أن يصعقهم ويصدمهم سعر التذكرة، وهو بالمناسبة غير مكيف ولا يقدم أى ميزة إضافية لركابه ويرتاده الباعة الجائلون الذين يلقون بالأمشاط والفلايات على أجساد الركاب، وكان الرقم وقتها يعد فلكيًا بالنسبة لسعر أتوبيس نقل عام.


منذ يومين استقليت نفس هذا الأتوبيس ودفعت 18 جنيهًا قيمة التذكرة بزيادة 11 جنيها عن الرقم الذي قلت عنه في المقال: آه والله يامؤمن 7 جنيهات «حتة واحدة»، لكن الفارق أن الأتوبيس كان خاليًا تماما من الركاب. 

 * محمد معيط المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي خلال تصريحات تلفزيونية عبر فضائية «المحور»: معيشة المصريين ودخولهم ومعاشاتهم ستتحسن بحلول مارس المقبل.. وأنا أسأل الدكتور معيط أن يعطيني أمارة واحدة على صحة هذا التوقع، وأن يذكر لي دولة واحدة في العالم استدانت من صندوق النقد وأصبح اقتصادها قويًا؟!


 * ذكرتني مقولة فتح حديقتى الأورمان والحيوانات على بعض بنكتة قديمة مفادها شكوى الناس لمبارك من أن أحد رجاله اشترى شقة فى العاشر من رمضان، وشقة فى 6 أكتوبر، فرد مبارك: «إيه يعنى دى شقق صغيرة»، فقالوا له: «ياريس ده عاوز يفتحهم على بعض».


لا أحد بالطبع ضد تطوير الحديقتين خصوصًا بعدما أصابتهما يد الإهمال، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيكون سعر تذكرة الدخول؟ وهل سيكون هذا السعر في متناول الغلابة الذين كانت الحديقتين وجهتهما المفضلة للفسحة والتنزه، يقضون فيها يوما كاملًا بتكلفة مادية زهيدة؟ وهل سيتم السماح لزوارها باصطحاب أطعمة كما كان في السابق، أم سيجدوا أنفسهم مضطرين للتسوق من مطاعمها الـ 5 نجوم الفاخرة الجديدة؟ وماذا ستكون تكلفة زيارة أسرة من 5 أفراد مثلًا للحديقة إذا ما قرر عائلها مثلًا تناول وجبة فيها؟

لقد ظلت حديقة الحيوان متنفسًا للبسطاء ولكل شرائح المجتمع بفضل انخفاض سعر تذكرتها، 5 جنيهات للفرد ومجانًا للأطفال، تمامًا مثل الحديقة المجانية التي كانت ممتدة بين الحديقتين من ميدان النهضة حتي مسلة جامعة القاهرة، وكانت متنفسًا آخر للبسطاء، بل جعل منها كثير بعض العرسان مكانًا للزفة والتقاط الصور التذكارية، وتم إزالتها بسبب أعمال التطوير والتوسعة للطريق.