فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الشرعية الشعبية للانتخابات

 بدأ أمر الانتخابات البرلمانية وكأن الأحزاب والمرشحين والناخبين قد فوجئوا بموعدها، وأنهم لم يكونوا في حالة استعداد رغم أن جميع الأحزاب في العالم تعد نفسها ومرشحيها قبل الانتخابات بزمن كبير، وهذا ربما يفسر سر غياب أو ضعف المشاركة، وهو ما يعني غياب الشرعية الشعبية.. 

 

فلم يعد غياب الناخبين عن لجان انتخابات النواب حدثًا يصنع الخبر، فتكراره وزيادته مع كل مرحلة وإعادة أصبح هو الثابت، باستثناءات قليلة في اللجان التي تحكمها عصبية قبلية، تسمح ببعض المنافسة، خصوصًا في الأقاليم، وإن لم ترق لما كانت الانتخابات تشهده عادة.. 

 

وكان تكرار مشهد العزوف في عدد من دوائر الحضر، فيما شهدت دوائر الصعيد والريف -المحكومة بالتصويت القبلي والمناطقي- نسب مشاركة أعلى، وصلت إلى 20% فى بعض الدوائر، ويعود هذا التدني الحاد في نسب المشاركة إلى إنعدام ثقة قطاعات كبيرة من الناس في الانتخابات، فضلا عن حالة الارتباك التي أصابت العملية الانتخابية بعد بطلان نتائج بعض الدوائر، يضاف إلى ذلك اختفاء ظواهر الحشد وشراء الأصوات.. 

 

كما أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لتراجع التصويت يتمثل فى غياب الأصوات المحمولة بالمال السياسى، إلى جانب تراجع دور الجمعيات الأهلية والتنموية في عمليات الحشد، ما أدى إلى انخفاض ملحوظ فى معدلات الإقبال والمشاركة، رغم أن نسب المشاركة في الحالة المصرية منخفضة بطبيعتها، وتحتاج إلى معالجة جادة، خاصة فى ظل كون فئة الشباب هى الأكثر غيابًا عن التصويت وفق بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات.. 

 

غير أن السبب الأهم فى غياب الناخبين كان تغييب السياسة، فالمواطن لم يجد من يطرح عليه بدائل وحلول لتحسين أحواله المعيشية، أو من يعده بالتصدى لبعض سياسات الحكومة التى تسببت في موجات تضخم أثقلت كاهله، فكان رد فعله الطبيعى هو العزوف.

 

وهذا العزوف أسفر عن وصول مرشحين لا يمثلون سوى نحو 15% من الناخبين، شارك معظمهم لأسباب لا تمت بصلة لفلسفة انتخاب مجلس يُفترض أن يشرع ويراقب أداء السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب. 

 

كما كشفت الانتخابات لأول مرة عن تراجع واضح للتصويت الحزبي والأيديولوجي، بدليل غياب حزب الوفد عن المشهد بشكل غير مسبوق، وحصول أحد مرشحيه على عدد محدود للغاية من الأصوات، وكذلك تراجع أحزاب تاريخية أخرى، وهو ما يعكس أزمة عميقة فى البنية الحزبية تستوجب وقفة جادة، وإعادة تقييم شاملة.. 

وهكذا تعرضت الأحزاب لانتكاسة واسعة، خاصة الأحزاب التى تقدم نفسها باعتبارها أحزاب معارضة، مقابل صعود نسبي للمستقلين، وهناك نحو 21 حزبًا لم يحققوا فوزًا ولا حتى تأهلًا للإعادة، وهو رقم مقلق ويستدعى مراجعة شاملة لأداء الأحزاب وخطابها السياسى، بعدما ثبت أن الخطاب السياسى الزاعق لم يعد جاذبًا للناخبين.. 

وهو ما يفرض ضرورة إعادة بناء جسور الثقة والحوار مع المواطن، وصياغة خطاب أكثر قدرة على التفاعل مع الواقع، وتعزيز التصويت على أسس سياسية وبرامجية واضحة. وذلك بفتح الباب لعودة السياسة، وإتاحة مساحات كافية لحرية التعبير والتنظيم، لا يفتح الطريق للفوضى كما يتصور البعض، بل يضع قواعد لمؤسسات مستقرة تعبر عن إرادة الناس، وتحصن الدولة من أى شروخ وأزمات.