تصدعات داخلية عميقة.. وصراعات سياسية محتدمة.. وتمرد الحريديم على التجنيد.. واقتصاد مثقل بتداعيات الحرب.. وانقسامات تهدد المؤسسة الأمنية.. تحديات تعيد تشكيل المشهد السياسي والأمني الإسرائيلي في 2026
حذر تقرير نشرته قناة "إن 12" الإسرائيلية من أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تواجه تحديات خطيرة خلال العام 2026، وهي تحديات تتجاوز الحدود الأمنية لتطال الأنظمة السياسية والمجتمعية والاقتصادية، وتضع "إسرائيل" أمام لحظة فاصلة تتقاطع فيها الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم وسط توقعات بإجراء انتخابات مبكرة، وأزمة تجنيد الحريديم، وتآكل الثقة بين المستويين السياسي والعسكري، وتدهور المكانة الدولية، والضغوط الاقتصادية المتصاعدة.
وبحسب الكاتب الإسرائيلي كوبي ميخائيل، فإن تلك التحديات هي: الانتخابات المقرر إجراؤها العام القادم والذي وصفه بـ"عام انتخابي في ظل سياسة مسمومة تعمل تحت ضغط قانون الإعفاء من التجنيد ومحاكمة بنيامين نتنياهو، وتدهور مكانة إسرائيل الدولية، ومجتمع مثخن بالجراح يعيش صدمة ما بعد 7 أكتوبر 2023 (في إشارة إلى الخسائر المجتمعية التي تكبدتها سلطات الاحتلال خلال عامين من حرب الإبادة في غزة)، وتآكل ثقة المجتمع الإسرائيلي بالمؤسسات الحكومية، وإدارة التوتر الأساسي بين مصلحة الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة والضرورة المتمثلة في صون المصالح الأمنية الحيوية لإسرائيل".
تشابك التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية
يقول ميخائيل: "في ضوء هذا كله، ستكون سنة 2026 سنة تشابك التحديات الأمنية والسياسية مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية، والطريقة التي ستتصرف بها القيادة ستحدد ما إذا كان هذا العام هو العام الذي ستشق فيه إسرائيل طريقها لترسيخ مكانتها كقوة مندمجة في البنية الإقليمية الجديدة".
ويتابع: "الإمكانية قائمة، والفرصة كبيرة، والأمر في أيدينا، غير أن ضعف الإرادة قد يقضي على الإمكانات والفرص معا؛ إذ إن خريطة التحديات معقدة ومتشعبة، وهناك ترابط وتأثير متبادلان بين الساحات المتعددة، والضعف في ساحة واحدة سينعكس على الساحات الأُخرى حتمًا، في حين أن الولايات المتحدة لديها فيها كلها علاقات ومصالح لا تتطابق بالضرورة مع المصالح الإسرائيلية. وستكون سنة 2026 سنة القيادة الإسرائيلية وقدرتها على الجمع بين فن القيادة العسكرية والقيادة الدبلوماسية، بما يتيح.
صعود لافت لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت
تشير التقارير الإعلامية إلى أن تصاعد التوترات السياسية والأمنية والخلافات داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، زاد من احتمال إجراء انتخابات مبكرة، ما يعني أن نتنياهو قد يجر نفسه في خضم انتخابات قبل الموعد المقرر في أكتوبر القادم.
يزيد من احتمال ذلك ارتفاع أسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الأسبق نفتالي بينيت، والذي بات يمثل تهديدا كبيرا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، وسط توقعات بإمكانية تكرار سيناريو عام 2013، ويعمل بينيت على الحصول على تأييد الجمهور الأكبر من مستوطني الضفة الغربية المحتلة، وأيضا من الجمهور الديني من التيار الديني الصهيوني، إضافة إلى جمهور علماني من اليمين المتطرف، إضافة إلى نشاطه بين الحركات اليمينية المتطرفة، والتي تنشط بين الشاب، وخاصة في الجامعات، وتحثه على اللجوء للمواقف اليمينية المتشددة.
ويحاول بينيت تقديم نفسه كخيار يميني بديل لقيادة البلاد من دون إرث نتنياهو الثقيل.
مشكلة تجنيد الحريديم
على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تصاعدت أزمة تجنيد الحريديم في الجيش الإسرائيلي على خلفية الخسائر التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
وتصاعدت حدة الاحتجاجات التي نظمها الحريديم ضد حكومة نتنياهو منذ قرار المحكمة العليا في عام 2024 إلزامهم بالخدمة العسكرية ومنع تقديم مساعدات مالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها التجنيد.
وتحولت تلك الأزمة إلى ملف انتخابي مبكر؛ حيث اعتبر رئيس حزب "يش عتيد" المعارض يائير لابيد، في منشور عبر منصة شركة "إكس" أن "ما جرى يعكس فشلا حكوميا خطيرا وتفككا في مؤسسات الدولة"، مؤكدا أن “التهرب من الخدمة العسكرية لا يمكن أن يتحول إلى أداة محمية بالعنف، متهما الحكومة بمواصلة تشجيع ظاهرة التهرب والعصيان”.
ويشكل "الحريديم" نحو 13% من إجمالي عدد الإسرائيليين البالغ عددهم نحو 10 ملايين شخص، وهم يرفضون الخدمة العسكرية، بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة، وأن الاندماج في المجتمع العلماني يهدد هويتهم الدينية.
وعلى مدى عقود تهربوا من التجنيد عند بلوغهم سن 18 عاما، عبر الحصول على تأجيلات متكررة بحجة الدراسة في المعاهد الدينية، حتى بلوغهم سن الإعفاء وهو حاليا 26 عاما.
تنامي عدد الحريديم يهدد الأمن الإسرائيلي
بحسب تقرير نشره "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية"، للكاتب أنطوان شلحت، فإن أزمة تجنيد الشبان اليهود الحريديم هي جانب واحد فقط من التحديات الماثلة أمام المجتمع الإسرائيلي بسبب هذا القطاع من السكان اليهود الآخذ في التكاثر الطبيعي أكثر من غيره، حيث تشير معطيات المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء إلى أن عدد سكان إسرائيل في العام 2050 سيبلغ نحو 15 مليون نسمة ربعهم من الحريديم، ويبلغ معدل الولادة لدى كل عائلة حريدية 6 أطفال.
ويضيف شلحت: "بناء على ذلك، سيشكل الحريديم 30% من إجمالي مجموع الطلبة الإسرائيليين في 2048، ما يستوجب حدوث تغيير في نمط حياة اليهود الحريديم ليس فيما يتعلق بالتجنيد في صفوف الجيش فقط، وإنما أيضا في كل ما يخص اندماجهم في سوق العمل".
أزمة ثقة حادة بين المستويَين السياسي والعسكري الإسرائيليين
وفق تقرير نشره موقع "روسيا اليوم"، فقد أدى الفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة خلال حربها على غزة إلى صراع حاد بين وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس هيئة الأركان أيال زامير، معتبرا أن "هذا الصراع يمثل لحظة فاصلة في الحياة السياسية والأمنية في إسرائيل".
وبحسب "روسيا اليوم"، فإن "كثيرا من المحللين الإسرائيليين يتعاملون مع الصدام العلني بين زامير وكاتس باعتباره أحد أخطر الشروخ التي تصيب المنظومة الأمنية منذ تأسيس إسرائيل، ليس لأنه خلاف إداري أو صراع صلاحيات، بل لأنه يكشف انهيار الثقة بين المستويين العسكري والسياسي في لحظة تعرف داخل إسرائيل كـ"أخطر مرحلة وجودية"؛ لتصبح سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمام "خلل بنيوي" يمس جوهر قدرتها على اتخاذ القرار في زمن الحرب.
تدهور مكانة “إسرائيل” الدولية
من المتوقع تواصل تدهور مكانة إسرائيل الدولية خلال العام القادم، في ظل تداعيات حرب الإبادة التي خلفت وراءها تراجعا كبيرا في الدعم الشعبي الغربي لسلطات الاحتلال؛ حيث كشف تقرير نشرته جريدة "يديعوت أحرونوت" أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو رجل أعمال بالدرجة الأولى، ويسعى إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة من خلال تقوية تعاملاته مع دول الخليج، وتعزيز ممر اقتصادي يبدأ من الهند ويمر عبر دول الخليج والمملكة العربية السعودية والأردن، والعمل على إضعاف النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط.
ولتحقيق ذلك، يقترح مسارا يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية"، وهو مسار يضعف قوة "إسرائيل"، والتي تنامى الحشد الغربي الشعبي ضدها".
تآكل ثقة الإسرائيليين بالمؤسسات الاقتصادية
بلغة الأرقام، أدت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة إلى خسائر كبيرة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي.
ووفق تقارير إعلامية، فقد بلغت تكلفة الحرب نحو 120 مليار دولار، أي 20% تقريبًا من الناتج المحلي الإجمالي.
وأقرت حكومة نتنياهو خطة لرفع مخصصات الدفاع في ميزانية 2025 بنسبة بلغت 65% مقارنة بمستويات ما قبل الحرب.
وأكدت وكالة "موديز" أن النزاع الإسرائيلي مع إيران، والذي استمر لمدة 12 يوما بداية من يوم يوم 13 يونيو 2025، زاد الضغوط المالية، ورفع توقع مؤشر الدين الإسرائيلي إلى 75% من الناتج المحلي، بدلا من 70% المتوقعة سابقا.
كما تراجعت قيمة الشيكل بشكل حاد مسجلا أسوأ سلسلة خسائر في 39 عاما، ما اضطر "بنك إسرائيل" لإطلاق برنامج طارئ قيمته 45 مليار دولار، تضمن بيع 30 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي و15 مليار دولار أخرى عبر عقود المقايضة، بحسب التقرير.