غزة بين القصف الإسرائيلي وعدوان الطقس.. الاستيطان يأكل الضفة الغربية.. الشتاء القارس يهاجم 850 ألف نازح ويغرق 27 ألف خيمة.. والاحتلال يقرر بناء 764 وحدة استيطانية جديدة
ما أن استفاق الأشقاء في غزة من العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي خلف عشرات الآلاف من الشهداء، وأضعافهم جرحى، حتى بدأ الشتاء القارس، والأحوال الجوية السيئة حريا جديدة ضدهم.
ويواجه قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة مع اشتداد الأمطار جراء المنخفض الجوي العميق، بالتزامن مع استمرار الإبادة الجماعية والحصار والتجويع للعام الثالث على التوالي.
ويعيش أكثر من مليون ونصف نازح قسريًا في خيام مهترئة ومساكن مدمرة، معرضين لتهديد مباشر على حياتهم مع دخول فصل الشتاء، تفاقمت المأساة الإنسانية بفعل المنخفضات الجوية، التي أدت إلى غرق آلاف الخيام والمساكن، وأسفرت في يوم واحد عن وفاة 13 مواطنًا، بينهم ثلاثة أطفال، نتيجة انهيار المنازل المدمرة وغرق الخيام، إلى جانب استشهاد 4 وإصابة 10 آخرين نتيجة استهداف الاحتلال.
يشار إلى أن عدد ضحايا الإبادة منذ أكتوبر 2023 وصل إلى 70,373 شهيدًا، وعشرات الآلاف من المفقودين، و171,079 إصابة.
850 ألف نازح
وهناك نحو 850 ألف نازح في أكثر من 760 موقع نزوح – أي ما يعادل 40% من سكان القطاع – يواجهون خطر الفيضانات المباشر، بعد أن غمرت المياه أو غرقت أكثر من 27 ألف خيمة، ما ترك سكانها بلا مأوى.
ويعاني الغزاويون من مخاطر تداخل مياه الأمطار مع مياه الصرف الصحي، ما يزيد من خطر انتشار الأمراض والأوبئة، ويفاقم مأساة السكان، خصوصًا الأطفال وحديثي الولادة وكبار السن، الذين يواجهون البرد القارس دون مأوى أو تدفئة أو ملابس مناسبة.
ويرز في هذا الصدد دور الطواقم الطبية والدفاع المدني، رغم أنها تعمل بإمكانات محدودة للاستجابة لآلاف نداءات الاستغاثة، في ظل مواصلة الاحتلال عرقلة ومنع إدخال الخيام والمنازل المؤقتة والمعدات الثقيلة ومضخات المياه والمستلزمات الشتوية ومواد الإغاثة والإعمار والوقود من تداعيات الكارثة الإنسانية، ويحوّل المخيمات إلى ساحات موت يومية.

د. صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" يؤكد أن ما يجري اليوم يشكل فصلًا جديدًا من الإبادة الجماعية، عبر مختلف الأدوات التي تشمل القتل الحصار والتجويع وترك المدنيين تحت وطأة الطقس القاسي. هذه السياسات والجرائم التي يتحمل المسؤولية الكاملة عنها دولة الاحتلال الإسرائيلي تشكل خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، كما أن العجز الدولي عن وقف الكارثة الإنسانية، الذي تفاقم مع دخول المنخفض الجوي، يعكس فشلًا أخلاقيًا وانهيارًا كاملًا لمنظومة القوانين والقيم الدولية، ويشكل تواطؤًا يشرّع استمرار حرب الإبادة، حيث يترك المدنيين بلا حماية أمام تهديدات الموت اليومي.

ويشدد عبد العاطي على الحاجة لتدخل دولي عاجل وجاد لإنقاذ سكان غزة قبل فوات الأوان، فكل ساعة تمر تزيد حجم الكارثة، مطالبا المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية وأحرار العالم بالضغط والتدخل العاجل من أجل إلزام الاحتلال بإدخال جميع احتياجات القطاع، بما في ذلك خيام مقاومة للمياه والعواصف وكرافانات عاجلة، تضمن الحد الأدنى من الحماية والكرامة الإنسانية، وفتح جميع المعابر بشكل كامل ودون قيود لإدخال الغذاء والدواء والمستلزمات الأساسية، وتوفير حماية دولية فعّالة للمدنيين ووقف استهداف مراكز الإيواء، وتمكين المؤسسات الإنسانية، وخاصة الأونروا، من العمل دون قيود، مع تحرك أممي عاجل لوقف الإبادة الجماعية وبدء عملية استجابة إنسانية عاجلة لإنقاذ حياة السكان.
764 وحدة استيطانية جديدة
وعلى صعيد آخر، تعتبر الفترة الراهنة من أخطر المراحل التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصعيد غير مسبوق في جرائم وسياسات الاستيطان والضم الاستعماري، حيث صادق الاحتلال الإسرائيلي على بناء 764 وحدة استيطانية جديدة، إلى جانب الإعلان عن شرعنة 19 مستوطنة إضافية في الضفة الغربية، بما يشكل تسريعًا واضحًا لمشروع الضم وفرض الوقائع الاستعمارية على الأرض، بهدف منع أي فرصة واقعية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، عبر تفتيت الجغرافيا الفلسطينية وعزل المدن والقرى عن محيطها.

وانطلقت التحذيرات من التوسع الاستيطاني المتسارع الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يقدّر عدد المستوطنين قرابة مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس المحتلة، موزعين على 147 مستوطنة، وأكثر من 224 بؤرة استيطانية، مع تسجيل إنشاء عشرات البؤر الجديدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة حيث جرى الدفع بخطط لبناء ما يقارب أكثر من 50 ألف وحدة استيطانية جديدة، في سياق مخطط استعماري منظم يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية وتعميق السيطرة علي الضفة الغربية.
اعتداءات المستوطنين
من جانبها، تدين الهيئة الدولية بشدة تصاعد اعتداءات المستوطنين الارهابية والتي تندرج ضمن سياسة ممنهجة تنفذ بتكامل واضح بين جيش الاحتلال ومليشيات المستوطنين، حيث يتبادلون الأدوار في الاعتداء على الفلسطينيين ومقدراتهم. وقد وثقت الهيئة والمنظمات الحقوقية 1,229 اعتداءً للمستوطنين عام 2023، و1,423 اعتداءً عام 2024، فيما بلغ عدد الاعتداءات حتى ديسمبر 2025 نحو 1,860 اعتداءً، بمعدل لا يقل عن أربع اعتداءات يوميًا، شملت حرق منازل، اقتلاع أشجار، تخريب محاصيل، واعتداءات مباشرة على المدنيين، في ظل إفلات كامل من العقاب.
ورصدت “حشد” تصعيدًا خطيرًا في سياسات التهجير القسري، لا سيما في المنطقة “ج” التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، حيث كشفت معطيات وتوثيق الاوتشا عن ترحيل أكثر من ألف فلسطيني منذ بداية عام 2025، إلى جانب تهجير ما يقارب 32 ألف فلسطيني خلال الفترة الأخيرة في محافظات شمال الضفة خصوصًا من التجمعات البدوية وفي جنين وطوباس وطولكرم عبر اقتحام المخيمات والقصف، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، ومنع البناء، في إطار سياسة تغيير ديموغرافي قسري تخدم مشروع الضم الاستعماري.
استشهاد 1,119 فلسطينيًا في الضفة الغربية والقدس
يترافق هذا التصعيد الاستيطاني مع انتهاكات جسيمة وجرائم حرب بحق السكان المدنيين، أسفرت سياسات الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 عن استشهاد 1,119 فلسطينيًا في الضفة الغربية والقدس، وإصابة أكثر من 12 ألفًا، واعتقال 24,083 مواطنًا، بينهم 1,600 طفل، ضمن سياسة أمنية شاملة تهدف إلى القتل والقمع والترهيب والتطهير العرقي وفرض السيطرة بالقوة.
ووقعت أكثر من 450 عملية اقتحام للمسجد الأقصى والقدس خلال عام 2025، بما في ذلك اقتحام مقر وكالة “الأونروا” في حي الشيخ جراح ورفع العلم الإسرائيلي عليه، في محاولة واضحة لتقويض دور الوكالة واستهداف حق العودة.
ولا شك أن مجمل هذه الجرائم والسياسات تشكل منظومة استعمارية متكاملة من الاستيطان، والتمييز العنصري، وارهاب المستوطنين، التهجير، والضم الاستعماري، وترقى إلى جريمة تطهير عرقي واضطهاد ممنهج وفق أحكام القانون الدولي، وتهدد الوجود الفلسطيني على أرضه، وتقضي عمليًا على حل الدولتين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
وتطالب الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بضرورة تحرك دولي عاجل وفاعل لوقف جرائم الاستيطان واعتداءات المستوطنين فورًا، ومحاسبة قادة الاحتلال أمام القضاء الدولي، وفرض إجراءات وعقوبات رادعة علي دولة الاحتلال، وضمان حماية المدنيين الفلسطينيين، ومنع تحويل الضفة الغربية والقدس إلى واقع استعماري دائم يقوض السلم والأمن الإقليمي والدولي وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.