فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

"الست" خارج الصورة

حقا، كل زمن وله أسطورته، وعندما نتحدث عن كوكب الشرق أم كلثوم، فإننا لا نكتفي بمجرد سرد تاريخي لسيرة ذاتية، بل نتناول توثيقا ما زال حيا بداخلنا لتاريخ أمة وذاكرة شعب.. 

بين نظرية المؤامرة والمبالغة الشديدة في الإعجاب التي أحاطت باستقباله النقدي، وقع فيلم "الست" في المنتصف، فلا نستطيع أن نهمل الحديث عن فنياته الجيدة ولا نتغافل عن سقطاته الواضحة.

نستطيع القول إن الفيلم بشكل عام به من السقطات التاريخية ما لا يشفع له السرد السياقي، بل ويحمل مخالفات لحقائق يصعب تمريرها وسط أجيال عاصرت الأحداث أو حتى اقتربت منها. ربما يثير عنصر الإخراج والتقنيات الحديثة من ديكور وأزياء إعجاب الأجيال الحديثة ممن لم يعرفوا كوكب الشرق أو لم يقرأوا عنها، وهنا لا أنكر وجود بعض العناصر الجيدة بالفيلم من الناحية التكنيكية، وإن لم تُوظف جيدا في عمل من المفترض أنه فيلم كلاسيكي عن شخصية مشهورة.

فعلى سبيل المثال، لم يُوفق هشام نزيه في اختياره لموسيقى الفيلم التصويرية، فالموسيقى جيدة في ذاتها، لكنها خارج السياق، مقاطع أغاني أم كلثوم مع المزج الغربي المودرن أصدرت تنافرا واضحا، وكان من الأفضل استخدام موسيقى من أغانيها أو حتى موسيقى شرقية خالصة تحافظ على الهوية الصوتية للشخصية.

تكنيك المونتاج السريع، وإن كان يتناسب مع أسلوب السرد التناوبي للفيلم، إلا أنه خالف روحه الكلاسيكية، وصنع تشويشا على مضمونه، أعجبتني بعض كادرات التصوير والنقلات بين الأبيض والأسود والألوان، لكن تبقى هناك تساؤلات حول بعض الرمزيات المستخدمة بالفيلم، والتي أراها غير منطقية.

مشهد غناء أم كلثوم أمام الحمار من المشاهد التي لم تمر سريعا، بل تناوبت الكاميرا عدة مرات بينها وبينه، وإن قصد المخرج هنا تصوير القهر الذي تعرضت له الفتاة الصغيرة لإجبارها على الغناء رغم انصراف السميعة، فهو مشهد ساذج لا يليق بأم كلثوم ولا بسياق الفيلم، وخصوصًا مع اختيار الأغنية "وحقك أنت المنى والطلب".

تعدد مشاهد التدخين يقترن بإحراقها لبعض الذكريات في إسقاط على الاحتراق الضمني وشعورها بالوحدة، لكنها مشاهد غير منطقية للمشاهد العادي، ولا أجد مبررا لمشاهد ألبست أم كلثوم ثوب البخل والأنانية والخبث أحيانا..

بالإضافة إلى إظهار والدها في دور الأب الانتهازي والانهزامي أمام شهرتها، وهو ما يتجلى في مشهد زيارته لمنزلها الجديد بعد الشهرة، ووقوفه أمام صورتها العملاقة مقابل ضآلة صورتها العائلية الصغيرة، وانتقال بصره إلى تمثال لها.

السيناريو كونه العمود الفقري للفيلم إلا أنه نقطة ضعف واضحة به، فرغم مهارة أحمد مراد ككاتب روايات يعرف كيف يصنع حبكة جيدة، إلا أنه أثبت فشله في إدارة سيرة ذاتية لشخصية مشهورة.

منى زكي بذلت مجهودا لا يُنكر، لكنها منذ اللحظة الأولى لم تستطع إقناعنا بأنها أم كلثوم! فالملامح بعيدة تماما رغم المجهود المبذول في الماكياج، ولا أجد مبررا للكلوزات المتكررة لوجه غير معبر لم يستطع نقل مشاعر أو انفعالات.

ظهور أم كلثوم وهي ترتدي أقراطا تكاد تطابق أقراط الملكة نازلي في مشهد تناول الطعام بالقصر يحمل دلالة سينمائية على محاولة أم كلثوم الانتماء إلى هذه الطبقة إلا أن دلالة المشهد تبقي ملتبسة، وفي نهاية المشهد ذاته تتصافحان بأطراف الأصابع، وتستخدم الملكة منديلها لمسح أناملها في إشارة تفتح باب التساؤلات حول هذا المشهد ومدى صحته التاريخية.

شخصية أحمد رامي جاءت باهتة، دون تطور درامي، لا على مستوى الأداء ولا الشكل، وبشكل عام فالفيلم خالٍ من أي شحنة عاطفية، حتى مشاهد الحب مرت سريعا دون عمق، واكتفى المخرج بصنع تيمة غنائية لظهور كل حب في حياتها عبر تكرار كلمة "الليل وسماه" من أغنية ألف ليلة وليلة، لعبة فنية لافتة، وهي استخدام المخرج لهذه الأغنية كاملة ليُنهي بها الفيلم، وكأن قصة حياتها هي قصة حب اكتملت.

الكلام يطول، لكن الخلاصة أن فيلم "الست" حاول عصرنة سيرتها، غافلا عن تفريغها من المضمون، ومهملا لكثير من الشخصيات العامة في حياتها مثل السنباطي وبليغ حمدي وعبد الوهاب.

"الست" لمروان حامد وأحمد مراد كان من الأفضل أن يكون فيلما عن شخصية مجهولة، لا عن كوكب الشرق أم كلثوم!