جماعات المصالح اليمينية تدفع باتجاه عسكرة الحدود الأوروبية في وجه المهاجرين.. تجعل من الصحراء الكبرى والبحر المتوسط مناطق موت.. واتفاقية الهجرة واللجوء تدخل حيز التنفيذ في 2026
أكدت جريدة “ذا جارديان” البريطانية أن اليمين المتطرف في أوروبا هو الفائز من تنامي حدة الخوف من المهاجرين، والدفع باتجاه عسكرة الحدود الأوروبية، بما يصب في مصلحة شركات الدفاع والأمن الخاصة التي حققت ملايين الأرباح.
وقالت الجريدة في مقال للباحث في مجال الهجرة والحدود في جامعة أوسنابروك الألمانية موريس ستيرل: في عام 2015، لجأ مليون شخص إلى أوروبا، هربا من الحروب والاضطهاد. وعلى مدى عشر سنوات، جرى استخدام قضية الهجرة كسلاح سياسي، ما يعكس وجود عدد كبير للغاية من المستفيدين السياسيين الذين يعملون على تضخيم الشعور بالأزمة.
تحولات في هندسة الحدود وسياسة الهجرة في أوروبا
يضيف ستيرل: تدعم روايات الأزمات الاقتصاد السياسي القائم على الخوف، وتؤدي إلى تحولات بعيدة المدى في هندسة الحدود وسياسة الهجرة في أوروبا، مدعومة بمجموعة من المستفيدين بما في ذلك وكالة الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي “فرونتكس”، التي ارتفعت ميزانيتها من 90 مليون يورو (105.613 مليون دولار) في عام 2014 إلى أكثر من مليار يورو (1.173 مليار دولار) هذا العام على الرغم من الادعاءات المتكررة حول تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان.
وفي جميع أنحاء أوروبا، استفادت شركات الدفاع والأمن الخاصة من الصفقات المربحة التي أدت إلى المزيد من عسكرة حدود أوروبا.
القوى اليمينية المتطرفة آخذة في الصعود في جميع أنحاء أوروبا
مع وعدها بأن عام 2015 لن يتكرر، فإن القوى السياسية المحافظة واليمينية المتطرفة آخذة في الصعود في جميع أنحاء أوروبا، ويبدو أنها عازمة على إثارة المشاعر المعادية للمهاجرين وجعل مؤامرات “الاستبدال العظيم” العنصرية سائدة على نحو متزايد، وفق ستيرل.

ويتابع: لقد اغتنم اليمين العنصري الفرصة. ولكن حقيقة أن أوروبا أصبحت بيئة معادية على نحو متزايد للمهاجرين والأقليات العنصرية ترجع إلى حد كبير إلى السخرية الخطيرة التي تبديها أحزاب الوسط التي تسعى إلى التغلب على اليمين المتشدد واليمين المتطرف في لعبتها الخاصة.
اتفاقية الهجرة واللجوء تدخل حيز التنفيذ في 2026
وفي محاولة للإجابة عما يحمله العقد القادم بالنسبة لقضية الهجرة، يقول ستيرل: “يبدو المسار الذي اختاره الاتحاد الأوروبي واضحا. ومع دخول اتفاقية الهجرة واللجوء حيز التنفيذ الكامل في عام 2026، سيجري خلق معلم آخر في تحصين أوروبا. وبدلا من مواجهة الروايات حول أزمة الهجرة الدائمة، يحول الاتفاق الأزمة إلى سياسة، حيث يساعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في تسريع الإجراءات الحدودية، وتمديد الاحتجاز القسري والحد من حقوق اللجوء؛ وبمجرد تطبيقها، قد يكون من الصعب إلغاء هذه الاستثناءات، مما يؤدي إلى تطبيع أحكام الطوارئ في أوروبا”.
تضخيم العداء العنصري في أوروبا
ويضيف: في عالم توجد فيه أسباب عديدة للتنقل البشري القسري -الحروب والإبادة الجماعية، والاستغلال الرأسمالي وانهيار المناخ- فإن تشديد أمن الحدود، وعمليات الترحيل وسياسات القسوة المعممة لن تحل قضية الهجرة أبدا. وما سيحققونه هو تآكل المعايير الديمقراطية، وتعميق الانقسامات الاجتماعية، وتضخيم العداء العنصري.
وبحسب الكاتب، تمثل ألمانيا حالة نموذجية، حيث استغل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني أزمة اللاجئين عام 2015، وانضم إلى البرلمان الألماني لأول مرة في عام 2017، معلنًا أنه “سيطارد” أحزاب الائتلاف الحكومي و"يستعيد أرضنا وشعبنا"، وارتفعت شعبية الحزب من نحو 5% إلى 26%.
ألمانيا وبريطانيا تتبنيان سياسات عدائية ضد المهاجرين
ويضيف: اتجه المستشار الألماني وزعيم حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” فريدريش ميرتس بشكل حاد نحو اليمين من خلال اتباع أجندة عدوانية مناهضة للهجرة والتلاعب بقسوة بالمشاعر التي يمكن النظر إليها على أنها عنصرية، قائلا: “مشكلة ألمانيا لا يمكن حلها إلا من خلال عمليات الترحيل واسعة النطاق”.
وفي المملكة المتحدة، تواجه حكومة حزب العمال مصيرا مماثلا، حيث تحظى بمعدلات دعم شعبية سيئة للغاية وضغوط هائلة من "حزب الإصلاح في المملكة المتحدة" اليميني المتشدد، وأعلنت الحكومة عن "إصلاحات اللجوء الأكثر شمولا في العصر الحديث" في نوفمبر 2025، والتي تشمل خططا صارمة "ستجعل وضع اللاجئ مؤقتا، وتخفض المزايا التي يحصل عليها اللاجئون، وتمزق الأسر، وتضع الكثير من الناس في حالة من النسيان لعقود من الزمن.
يقول ستيرل: عندما تنخرط في سياسة تتسم بالقسوة للمزايدة على أولئك الذين تبدو أجندتهم السياسية برمتها مبنية على القسوة، فإن الهزيمة تصبح أمرا لا مفر منه. وحتى لو نجحت الحكومات في تنفيذ سياسات الهجرة "الصارمة"، أو خفض عدد طالبي اللجوء، فإن اليمين المتطرف سوف يجد أقليات عرقية أخرى لاستهدافها، وجعلها كبش فداء، وتجريدها من إنسانيتها.
تحويل الصحراء الكبرى والبحر المتوسط إلى مناطق موت
ويضيف: إن أفكار اليمين المتطرف تتجمع بقوة، مما يخلق تحالفات في جميع أنحاء العالم ويؤدي إلى استخدام الهجرة كوسيلة للتحول الاستبدادي. وليس أدل على ذلك مما ذكرته استراتيجية الأمن القومي الأخيرة للولايات المتحدة، حيث دعت إدارة دونالد ترامب إلى إنهاء "عصر الهجرة الجماعية" ووضعت خططا "لزراعة مقاومة المسار الحالي لأوروبا" من أجل ما زعم أنه منع "المحو الحضاري" لأوروبا.
ويختتم الكاتب مقاله قائلا: إن تحويل مناطق جغرافية شاسعة مثل الصحراء الكبرى والبحر المتوسط إلى مناطق موت لا يكفي في نظر أولئك الذين يعتبرون معركتهم معركة حضارية، غارقة في الأساطير العنصرية وأوهام "إعادة الهجرة" التي سوف تنقلب في نهاية المطاف أيضا لتطال باقي الأقليات في أوروبا.