محمود أباظة رئيس الوفد الأسبق لـ “فيتو”: القائمة المطلقة أفسدت الانتخابات النيابية.. تركت 90 مليون جنيه ودائع بالبنوك.. الديون بدأت في عهد البدوي.. ويمامة خالف اللائحة
تحدث محمود أباظة، الرئيس الأسبق لـ حزب الوفد، عن عدد من القضايا المرتبطة بالمشهد السياسي والانتخابي والحياة الحزبية، موضحًا أنه لا يرى سببًا لحل مجلس النواب المنتخب، وأن الدولة لم تكن راغبة في حدوث مخالفات خلال العملية الانتخابية، لافتًا إلى أن إعادة الانتخابات في بعض الدوائر جاءت لمعالجة خطأ قائم، وإن كانت قد تمت بتكلفة سياسية ومالية.
وتطرق أباظة في حواره لـ “فيتو”، إلى واقع الأحزاب السياسية، معتبرًا أن دورها لا يزال محدودًا، في ظل وجود أحزاب قوية تعتمد على الدولة، وأخرى ضعيفة تفتقر إلى التأثير، منتقدًا النظام الانتخابي الحالي بسبب الاعتماد على نظام القائمة المطلقة واتساع الدوائر الانتخابية.
كما نفى أباظة وجود أي نية لديه للترشح لرئاسة حزب الوفد، مؤكدًا أن الحزب يحتاج إلى إصلاح عميق وإعادة بناء شاملة، كاشفًا عن الأوضاع المالية للحزب عند تركه رئاسته، إلى جانب تقييمه لأداء عبد السند يمامة، ومسار الحزب في الاستحقاقات السياسية الأخيرة، وذلك في نص الحوار التالي.
بداية، كيف ترى انتخابات مجلس النواب الأخيرة وما شهدته من إلغاء بعض الدوائر الانتخابية؟
أرى أن الانتخابات في مصر منذ زمن بعيد بات معروفًا أن نتائجها النهائية تعكس إرادة من يقومون بإجرائها، بصرف النظر عن إرادة الناخبين، باستثناء استفتاءات قليلة للغاية.
ولا يقتصر الأمر على التزوير المادي فقط، بل يمتد أيضًا إلى ما يمكن وصفه بتزوير النفوذ، حيث إن الناخب المصري، خاصة بعد انتهاء الفترة الليبرالية، لا يختار مرشحه في الغالب على أساس البرامج أو الكفاءة، وإنما بدوافع العصبية العائلية أو العصبية المهنية، إذ يميل أصحاب المهن إلى تأييد من ينتمي إلى مهنتهم.
وفي حالات أخرى يكون التصويت بدافع مجاملة السلطة، بداية من عمدة القرية وصولًا إلى المأمور والأجهزة المختلفة، أو بدافع النكاية في السلطة، أو لتحقيق مصالح شخصية، تبدأ بتقديم خدمات بسيطة مثل فرش المساجد أو توفير كراسي للمضائف، وقد تصل أحيانًا إلى دفع أموال.
وجميع هذه الدوافع لا علاقة لها بجوهر العملية الانتخابية، لأن الهدف الحقيقي من الانتخابات هو اختيار من يمارس السلطة باسم المواطنين، وهو ما يبتعد تمامًا عن الواقع القائم.
ولماذا يبتعد الواقع الانتخابي عن الغرض الأساسي للانتخابات؟
الشعب المصري شعب حكيم، ويعي تمامًا أن السلطة تُمارس ضمن دائرة ضيقة جدًّا، وأن المجالس سواء كانت برلمانية أو محلية، ما هي إلا أشكال رمزية.
فالناخب يحصل من المرشح على ما يمكنه الحصول عليه فقط، مثل مجاملة العمدة أو المأمور، أو الحصول على خدمات لأهله أو قريته، وكلها مكاسب مؤقتة.
ونظرًا إلى غياب تداول حقيقي للسلطة، لا توجد انتخابات حقيقية تأتي بالحكومة، مما يجعل الناخب يركز على المكاسب المتاحة له بدلًا من الهدف الرئيسي للانتخابات.
وبدأ هذا النمط يظهر بشكل واضح منذ انتخابات الرئاسة في 2005، بعد أكثر من خمسين عامًا من العهد الجمهوري، حيث الطبيعة تكره الفراغ، والناخب يعي أن الهدف الأساسي من الانتخابات البرلمانية غير متاح، لذلك تعكس النتائج غالبًا إرادة من يدير العملية الانتخابية، وليس إرادة المواطنين.
ما رأيك بتوجيهات الرئيس بإلغاء بعض الدوائر أو إعادة الانتخابات؟
سبق أن شهدنا خروقات انتخابية من قبل، مثلما حدث عام 1987 عندما قضت المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الشعب بعد ثلاث سنوات من انعقاده، ولأسباب مماثلة تم حل مجلس الإخوان لاحقًا.
ما قامت به الهيئة العليا للانتخابات هذه المرة يمثل الحدث الثالث من نوعه، ويأتي في إطار حرص الدولة على عدم حدوث أي مخالفات خلال العملية الانتخابية.
وبالتالي، فإن توجيهات الرئيس جاءت لملء الفراغ وضمان سير العملية الانتخابية بشكل صحيح، مع منح الهيئة الوطنية للانتخابات الصلاحيات اللازمة لتصحيح أي أخطاء، كما حدث في بعض دوائر انتخابات مجلس الشيوخ، لضمان نزاهة وشفافية النتائج.
هل من الممكن أن يحل مجلس النواب بعد ذلك؟
لا أرى أن مجلس النواب سيُحل، وأختلف تمامًا مع هذا الرأي، فالأهم هو تطبيق القواعد ومحاسبة من يخترقها، وليس الخضوع للانفعالات.
لقد تم معالجة الإخلالات من خلال إعادة الانتخابات، وهو ما صُلح على الرغم من الكلفة السياسية والمالية، وبالتالي لا يوجد سبب آخر للحل. الآن، المطلوب هو محاسبة من تسبب في هذه الأخطاء لضمان عدم تكرارها مستقبلًا.

كيف ترى سقوط الأحزاب السياسية في الدوائر الملغاة؟
الأحزاب كانت غائبة في هذه الدوائر؛ فهناك أحزاب قوية تعتمد على الدولة، وأخرى ضعيفة لأنها لا تعتمد على أي جهة. وعندما يظهر أن الدولة لا ترغب في دعم هذه الأحزاب، كما أكد الرئيس بعدم الرغبة في حدوث مخالفات، انصرف بعض الأطراف عنها ظنًّا أن هذا ما تريده الدولة.
المنطق واضح، والأحزاب واضحة، لكن من ترك هذه الأخطاء يحدث يجب أن يُحاسب لأنها كلفت الدولة ماليًّا وسياسيًّا، أما بالنسبة لنظام الانتخابات الحالي، فهو سيئ للغاية؛ فالقائمة المطلقة والدائرة الكبيرة تعوق الصلة الطبيعية بين الناخب ومرشحه.
بينما النظام الفردي هو ما ألفه الشعب المصري، ويحقق الغرض الحقيقي من الانتخابات، لذلك يجب تعديل أي ما يعوق إجراء الانتخابات بالنظام الفردي، حتى لو استلزم ذلك تغييرات دستورية، لضمان العلاقة المباشرة بين الناخب ومرشحه.
هل لديك نية للترشح على رئاسة حزب الوفد؟
ليست لدي أي نية للترشح على رئاسة حزب الوفد في الوقت الحالي، عندما يظهر برنامج كل مرشح سأعلن رأيي بشأنه، ما يمكن قوله الآن، ولست وحدي من يراه، أن حزب الوفد يحتاج إلى إصلاح عميق وإعادة بناء شاملة للحفاظ عليه، فهو حزب تأسس منذ أكثر من مائة عام ويمثل جزءًا من تراث الحركة الوطنية المصرية، لذلك إما أن يتم هذا الإصلاح الشامل، وإلا فسيظل الوفد حبيس الماضي الذي لم يعد قائمًا.
كيف يمكن السيطرة على ديون حزب الوفد الكبيرة؟
حزب الوفد كان يمتلك ودائع بقيمة 90 مليون جنيه في البنك، تُدر نحو 9 ملايين جنيه فوائد سنويًّا، بالإضافة إلى إيرادات الجريدة التي كانت تبلغ نحو 8 ملايين جنيه سنويًّا. ومع ذلك، فقد الحزب هذه الأموال وظهرت عليه ديون كبيرة نتيجة الإدارة المالية الخاطئة.
هذا يشير إلى أن الجهة المسؤولة عن الإشراف على الإدارة، مثل الهيئة العليا، لم تكن فعالة، كما أن اختيار أعضائها لم يكن الأفضل.
أيضًا، قواعد الحزب لم تهتم بضمان حسن سير الشؤون المالية والسياسية، ولم يكن هناك نشاط فعال للوفد، لذلك وبصرف النظر عن الأسماء، الحزب يحتاج الآن إلى عملية إنقاذ تشمل إعادة البناء الشاملة لضمان استقراره المالي والسياسي.
كيف ترى تراجع الحزب على الساحة السياسية؟
تراجع الحزب يعود أولًا إلى سوء الإدارة الداخلية ووجود مشكلات كثيرة داخل الحزب نفسه، بالإضافة إلى وجود وضع عام يؤثر على كل الأحزاب، بعض هذه المشكلات خاصة بالحزب نفسه، والبعض الآخر مرتبط بالبيئة السياسية العامة التي تحتاج إلى إصلاحات.
ولتحقيق فعالية الأحزاب، يجب ألا يقتصر الإصلاح على جهة واحدة فقط، بل يجب أن يشمل الناخب نفسه والهيئات المسؤولة عن الانتخابات، فالأحزاب هي الوسائل الأساسية لإقامة حياة ديمقراطية فعالة، ومن دونها لا يمكن ضمان ممارسة ديمقراطية حقيقية.
هل يستطيع حزب الوفد استعادة رونقه مرة أخرى؟
نعم، لكن ذلك مشروط بإصلاح الحزب أولًا، وجذب عناصر جديدة نشطة وفعالة بعد الإصلاح، ومع ذلك يجب أن نكون واقعيين: أسباب الفشل في الحزب كثيرة وأسهل من أسباب النجاح، فالنجاح يحتاج إلى جهد مستمر وتضحيات، بينما الفشل غالبًا يبدو أكثر راحة ومجزية.
كيف ترى الخلافات المستمرة في حزب الوفد؟
الخلافات أمر طبيعي، وطالما أن القيادة قادرة على السماح لها بالظهور ثم توجيهها للوصول إلى القرار الصحيح، فهي صحية. ولكن الشرط الأساسي أن تكون الخلافات حول الموضوع نفسه وليست خلافات شخصية أو بلا هدف.
كيف يمكن إصلاح الأزمة المالية الحالية لحزب الوفد وتسديد الديون؟
الحل فني، ويبدأ بإجراءات محددة تشمل إصلاح الموارد المالية للحزب وتجديدها، وكذلك إعادة هيكلة الجريدة، سواء بالاكتفاء بالموقع الإلكتروني أو تحسين مصادر الدخل الأخرى، بمجرد وجود نية حقيقية للإصلاح، يصبح تحقيق الإصلاح المالي ممكنًا.
متى بدأت ديون حزب الوفد تتراكم؟
الديون بدأت بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق، حيث تركت 90 مليون جنيه في خزينة الحزب، وتراكمت الديون في عهد الدكتور السيد البدوي، على الرغم من وجود مذكرات توضح الأسباب، لكنها لم تعالج من قبل قيادة الحزب آنذاك، ما أدى إلى استمرار المشكلة وتفاقمها.
من هو المرشح الأنسب لرئاسة حزب الوفد حاليًّا؟
سأعلن هذا في الوقت المناسب، فعلاقتي بجميع المرشحين جيدة، والأقل معرفة بالنسبة إليَّ هو الدكتور عبد السند يمامة، الذي لم يكن موجودًا أثناء فترة رئاستي للحزب، وكان مجرد عضو لم أعرفه شخصيًّا، وهو حديث الظهور في الحزب مقارنة بمن خدموا فيه قبل سنوات طويلة.
كيف ترى أداء حزب الوفد في انتخابات مجلس النواب والشيوخ والانتخابات الرئاسية؟
حزب الوفد جاء في المرتبة الأخيرة بالانتخابات الرئاسية، بسبب عدم احترام اللائحة الداخلية للحزب في الترشيحات، إذ سمح الحزب للدكتور عبد السند يمامة بالترشح دون موافقة الهيئة العليا والجمعية العمومية، ما يجعل الحزب كله مسؤولًا عن النتيجة.
هل تعتزم الترشح في انتخابات حزب الوفد المقبلة؟
عمري لا يسمح حاليًّا بالجهد المطلوب في حزب الوفد، فقد قاربت على الثمانين عامًا.