هل تستقيل الهيئة الوطنية للانتخابات؟
عندما أصدر نادي القضاة في الثامن عشر من الشهر الماضي بيانا أكد فيه أنه لا يشرف هو أو أعضاء النيابة العامة على الانتخابات البرلمانية، وصل للعامة والخاصة أن النادي إنما أراد التطهر من أمر ما، أمر لا علاقة للقضاة به، أمر جلل تجري وقائعه على مرأى ومسمع من الجماهير.
ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى ظهر إلى الوجود بيان غير موقع ودون ختم الجهة صادر عن النادي البحري للنيابة الإدارية بالإسكندرية، ليرد على بيان نادي القضاة بشكل بدا منه أن هناك خناقة بين كبار القوم وعليتهم، غير أن العامل المشترك في المعركة هو ما جرى من وقائع غير منضبطة في بدايات الجولة الانتخابية البرلمانية الأولى.
ولم تكن مؤسسة الرئاسة بعيدة عمّا يجري وعما يدور من أحداث ساخنة في الشارع السياسي وقدرة الإعلام الاجتماعي على الكشف عن تفاصيل مثيرة ومقلقة ومزعجة حول الدوائر الانتخابية وما يحدث فيها من تفاصيل وصلت إلى حد وصفها بالمخزية.
بعد أن أبدى الرئيس انزعاجه حول محاولات سلب الجماهير إرادتها إذ فجأة اجتمعت الهيئة الوطنية للانتخابات لتقول ما لم يكن مقررا لها أن تقوله قبل تدخل الرئيس، أعلنت اللجنة في محاولة منها للتطهر هي الأخرى من ذات الوقائع التي دفعت رئيس الدولة إلى التدخل المباشر، وألغت نتائج الانتخابات في 19 دائرة بالتمام والكمال.
لم يتوقف قطار الكشف عن مهازل جرت ووقائع فُصِّلت ونتائج زُوِّرت عند هذا الحد، فكان الفصل الحاسم من الإدارية العليا التي ألغت نتائج 48 دائرة أخرى، وهنا بدأت ملحمة وصم البرلمان القادم بما لا يليق ببرلمان يمثل شعبا عظيما مثل الشعب المصري.. انطلق قطار التشكيك للأسف الشديد.
ورغم أن ولادة الهيئة الوطنية للانتخابات جاءت مع دستور 2014، وكان المرجو من ظهورها أن يكون ظهورا مضيئا، ورغم أن الهيئة الموقرة قامت خلال تلك السنوات بجهود لا يمكن إنكارها، إلا أن طرح الاستفهامات والأسئلة الحائرة حول بقائها على ذات تفاصيلها أصبح محل تساؤلات شرعية.
هل يجب أن تبقى الهيئة الموقرة مغلقة في تشكيلها على القضاة وحدهم لا يُحرم المجتمع من خبرات مدنية أخرى من الممكن أن يكون أداؤها أكثر فعالية؟ وهل استقلالها المالي والإداري لا يدفعنا دفعا إلى المطالبة بطرح ميزانيتها على الرأي العام صاحب الحق الأصيل في ممتلكات ومقدرات الوطن؟
ثم هل السؤال حول مكافآت أعضاء الهيئة الموقرة يعد خروجا عن المألوف ودخولا إلى مناطق محظورة؟ وأيضا هل الإعلان عن التقرير المالي للإنفاق الانتخابي في جولاته المتتالية يعد سرا حربيا يمكن للهيئة الموقرة التستر عليه أو إخفاؤه؟
ثم هل هناك أدوات رقابية على الهيئة فيما تنفق، أو السؤال حول أدائها الإداري يعد تدخلا غير محمود، وهل يحق للمواطن العادي أن يسأل عن مال الهيئة وفيما تنفقه أم أن ذلك يعد تدخلا في مسألة الاستقلال المالي والإداري؟ ثم هل يجوز أن نسأل عن حجم الأموال التي أنفقتها الهيئة في التوعية حول الانتخابات الحالية؟!
وهل عدم وجود جهاز أعلى للرقابة على أداء الهيئة يضعف من فرص محاسبة أعضائها؟ وهل عدم جواز الطعن في قرارات «الإعداد والتنظيم» قبل البدء في الاقتراع يقلل من فرص الإصلاح إذا ما وُجدت مخالفات في تلك العمليات؟
وسؤالي الذي لا أعرف له إجابة ربما جهلا مني أو عدم دراية: ماذا لو أرادت الهيئة الموقرة بعد كل ما جرى من وقائع شابت العملية الانتخابية أن تتقدم باستقالتها.. إلى من تقدم استقالتها؟ وهل يمكن لأفق أمثالي أن يتخيل فعلا أن تقوم الهيئة الموقرة بالاستقالة؟
والسؤال الأكثر شيوعا: هل استقلال الهيئة الوطنية للانتخابات يجعلها سيدة قرارها ولا سلطان عليها رغم كل ما جرى؟ وإذا كانت المخالفات الصارخة التي أيدتها وقائع دامغة قد كلفت مصر أموالا طائلة في عمليات إعادة الانتخابات في معظم الدوائر، فمن يدفع هذه الأموال؟
والأكثر أهمية: من يدفع عن الوطن ما طاله من صورة ذهنية خارجية مشوهة ربما تظل عالقة في أذهان مؤسسات دولية لا يتوقف أثرها عند حدود دائرة انتخابية في صعيد مصر أو دلتاها؟!