دراما الواقع.. ازدواجية معايير أم خلل في البوصلة الثقافية
مع انتشار الإسفاف الرقمي، ومع حركة نشطة من الجهات المعنية بالقبض على معظم صانعي المحتوى ممن يدمرونه بالحقيقة وليس بصانعيه، ومن يطلق عليهم البلوجرز، بتهمة تهديد قيم الأسرة والمجتمع ونشر الرذيلة، أقف مندهشة من التناقض الفج عند الكيل بمكيالين أمام ما يطرح على شاشات السينما والتليفزيون بكل حرية وفخر بل يصل إلى حد الاحتفاء والتكريم!
وهنا تبرز مفارقة ازدواجية معايير التلقي، إذ يُجرم الفعل ذاته حين يصدر من فرد غير محسوب على المؤسسات، بينما يُمنح الغطاء والدعم حين يأتي عبر إنتاج احترافي تدعمه جهات ذات نفوذ.
تلك الأعمال المتروكة دون مراجعة رقابية لتنقيتها وتنقيحها لتناسب الذوق العام ولتلائم قيم الأسرة والمجتمع، تفتح بابا من التساؤلات المنطقية التي تربك أي إنسان قرر أن يستخدم عقله، فما الفرق بين الابتذال علي منصات التواصل الاجتماعي وبين انحلال مصنف على أنه عمل فني يعرض الشاشات ويشارك بمهرجانات، متروك بكل ما يحمله من ألفاظ إيحاءات وأكثر؟!
فهل تبرر شرعية الصورة وجود حصانة تحميها بحجة أنها تنتمي إلى الفن والحرية الإبداعية، بينما تُدان أخرى لنفس المحتوى تقريبًا لأنها لا تنتمي لمؤسسة تدعمها؟! ما الفرق بين مبتذل مغمور أو نصف مشهور وبين مبتذل صادفه الحظ فأصبح نجما؟!
إن قيم الأسرة والمجتمع في الحقيقة مهددة من كلتا الجهتين، فلا يوجد فرق بين فساد حديث وفساد متأصل أو معتاد أو مبرر أو موضوع في أطر مدعومة بأي شكل من الأشكال، فكيف نقنع شبابنا اللاهث وراء تريندات الشهرة وشهوة جمع المال بأي شكل من الأشكال بعدم اتخاذ هؤلاء البلوجرز قدوة لهم، وكيف تدرك عقولهم ذاك العوار في الحكم على كل صنوف الإسفاف بنفس الميزان؟!
ماذا نزرع بعقول أبنائنا إذن؟ هل نزرع فيهم قيم الميكافيلية الغاية تبرر الوسيلة، أنت مشهور داخل إطار يعطيك دعما لفسادك فلا تخف أما أن وقفت وحيدا ستغرق!
لا بد من مراجعة ما يعرض من أعمال فنية، فالفن هو مرآة المجتمع وهدفه الأول وعلى مر العصور هو الإصلاح وليس التدمير، إصلاحا بالتفاعل الجيد مع المعروض لإحداث تغير للأفضل أو تخلص من آثم نفسية والارتقاء بالذوق العام، وليس زرعا لخصال سوء أو كشف عن مسكوتات أن بدت لنا تسوؤنا!