حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح
تشهد مصر في هذه الفترة ماراثونا انتخابيا لاختيار أعضاء مجلس النواب، وفي الوقت نفسه نخضع جميعًا -مواطنين ومؤسسات- لاختبار حقيقي لمدى قدرتنا على ترسيخ دولة المؤسسات عبر واحدة من أبرز أدوات المشاركة السياسية وهي الانتخابات التشريعية..
ولا يزال الجدل قائمًا حول أهمية هذه الانتخابات ودورها في تشكيل الخريطة التشريعية المقبلة، إلا أن الأهم الآن هو النقاش حول كيفية إدارة العملية الانتخابية نفسها، ومدى نجاح الدولة في تطوير نموذج أكثر انضباطا يعكس مفهوم حوكمة الانتخابات.
المتابع للمشهد الانتخابي يلمس بوضوح أن مؤسسات الدولة تبذل جهدا واضحا لتحسين البيئة الانتخابية، سواء من خلال تنظيم اللجان، أو رفع كفاءة التأمين، أو الاستجابة السريعة للمخالفات المرتبطة بالدعاية غير المشروعة أو محاولات التأثير على الناخبين.
هذا التطور يعكس انتقالًا تدريجيًا من إدارة الانتخابات بوصفها مجرد إجراءات شكلية، إلى التعامل معها باعتبارها مسارا سياسيا يتطلب معايير رقابية وصورة عامة تحترم إرادة المواطن وحقه في الاختيار الحر.
وفي المقابل، يظهر أيضًا أن المزاج الانتخابي في هذه الدورة مختلف عن سابقه. ففي الوقت الذي تشهد فيه بعض المدن معدلات إقبال متوسطة، تستمر القرى والمناطق ذات الكثافة العائلية في تسجيل نسب مشاركة مرتفعة.
كما برز حضور الشباب بشكل أكبر مقارنة ببداية اليوم الانتخابي، وهو ما يشير إلى تنامٍ تدريجي في الوعي بأهمية الصوت الفردي داخل العملية السياسية، حتى وإن ظل السلوك التصويتي مرتبطًا في بعض المناطق بالانتماءات الاجتماعية أكثر من ارتباطه بالبرامج السياسية، وهو ما يعكس ميلًا واضحًا لدى الناخب المصري نحو النظام الفردي.
ومن ناحية أخرى، لم يعد المجتمع المدني مجرد مراقب، بل أصبح لاعبًا مؤثرًا في قراءة اتجاهات المشاركة وكشف التجاوزات وتقديم التوصيات لتحسين المشهد الانتخابي مستقبلًا. وهذا الدور المكمل يشكل عنصرًا أساسيًا في بناء ثقة المواطن في العملية الديمقراطية، خصوصًا عندما يرى استجابة رسمية حقيقية لأي مخالفة يتم رصدها وتوثيقها.
ورغم ما تحقق، فإن الطريق ما زال طويلًا. فالتجربة الانتخابية لا تُقاس فقط بسلامة يوم الاقتراع، بل أيضًا بقدرة المؤسسات التشريعية المقبلة على إنتاج قوانين أكثر توازنًا وعدالة، تعزز التعددية السياسية، وتحمي نزاهة المنافسة، وتمنح العملية الانتخابية إطارًا تشريعيًا أكثر تطورًا واستدامة.