فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى رحيله، الشيخ عبد الباسط عبد الصمد صوت "مكة" و"أيقونة" التلاوة الخالدة

الشيخ عبد الباسط
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد،  صاحب الحنجرة الذهبية، وصوت من السماء، وصوت مكة، علم من أعلام التلاوة فى الوطن العربى، بل العالم الإسلامى كله، محبيه فى جميع أنحاء العالم لأسلوبه الفريد والمميز فى التلاوة، رحل فى مثل هذا اليوم 30 نوفمبر عام 1988، بعد أن ترك وراءه مجموعة كبيرة من التسجيلات إلى جانب مصحفين مرتلين ومجودين وعدة مصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية.

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد هو القارئ الوحيد الذي سمح له بالقراءة عند الكعبة الشريفة في المسجد الحرام، فقرأ قصار السور وأدهش ضيوف الرحمن بحلاوة الصوت السماوى وروحانيات التلاوة ومن هنا سمي بـ "صوت مكة"، وعرف بالوسطية في أفكاره وتعاملاته، ولم يكن متزمتا ولا متعصبا وكان يحب الموسيقى وسماع الأغاني لأم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز.

الميلاد فى الصعيد 

ولد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عام 1927 في قرية المراعزة بمحافظة قنا، نشأ في بيئة تهتم بحفظ وتجويد القرآن الكريم، فجده عبد الصمد كان من الحفظة الذين شهد له بالتمكن من الحفظ والتجويد بالأحكام، وكذلك كان والده الشيخ محمد عبد الصمد كان أحد المجودين للقرآن، حفظ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد القرآن الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته، وأخذ القراءات على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة.

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد 
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد 

عندما بلغ عبد الباسط عبد الصمد الثانية عشر انهالت عليه الدعوات من حوله ومن القرى المجاورة بقنا وبشهادة محفظة القرآن ذاع صيته فى أرجاء البلاد، وعندما بلغ السابعة عشر من عمره كان العمد والأعيان يدعونه للتلاوة في المندرة وسط جموع المسلمين بالكفور والعزب والنجوع حتى ذاع صيته بالصعيد وأصبح إمام القراء.

قارئ المسجد الحسينى بالقاهرة 

وبحثا عن التلاوة فى الإذاعة جاءت إقامة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى حى السيدة زينب بالقاهرة، حيث عين قارئا لمسجد الإمام الشافعى عام 1952، ثم لمسجد الإمام الحسين عام 1958 خلفًا للشيخ محمود علي البنا، كما اختير أول نقيب لقراء مصر عام 1984.

تضاعف تجارة أجهزة الراديو 

أقنع الشيخ الضباع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد التقدم للإذاعة المصرية عام 1951، وكانت أولى تلاواته من سورة " فاطر"، وبسبب التحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على شراء أجهزة الراديو، وتضاعف إنتاجها وانتشرت بمعظم البيوت للاستماع إلى صوت الشيخ عبد الباسط، وكان الذي يمتلك (راديو) في منطقة أو قرية من القرى يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران من سماعه.

حفظ القرآن على يد الشيخ سليم 

يحكي الشيخ عبد الباسط في مذكراته عن بداياته: “كان عمري عشر سنوات، أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لساني كالنهر الجاري، وكان والدي موظفًا بوزارة المواصلات، وكان جدى من العلماء، فطلبت منهما أن أتعلم القراءات فأشارا علي أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (محمد سليم)، لكن المسافة بين أرمنت في قنا، وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جدا”.

وتابع: “لكن الأمر كان متعلقا بصناعة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر، وقبل التوجه إلى طنطا بيومٍ واحد علمنا بوصول الشيخ محمد سليم إلى (أرمنت) ليستقر بها مدرسا للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت، واستقبله أهل أرمنت أحسن استقبال واحتفلوا به، لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن، وكأن القدر قد ساق إلينا هذا الرجل في الوقت المناسب وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم بأصفون المطاعنة فكان يحفظ القرآن ويعلم علومه والقراءات. فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله”. 

ونتيجة لوسامة وشهرة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد تعرض للكثير من المطاردات النسائية أينما حل انبهارا وحبا له، حتى لقب بمارلون براندو مصر، وجاء سبب تسميته براندو مصر ـ كما نشرت مجلة الجيل عام 1955 ـ بعدما غمرت شوارع القاهرة تماثيل صغيرة من الجبس ينادى أصحابها عليها: الشيخ عبد الصمد براندو بقرش.. معبود الستات بقرش.. ونفذت التماثيل بسرعة من السوق ولم يستطع الشيخ الجليل الحصول على واحد لنفسه.

عشرات الأوسمة ونياشين 

نال الشيخ عبد الباسط عبد الصمد شهرة واسعة فى جميع البلاد العربية والاسلامية، حتى إنه تربع على عرش التلاوة سنوات طويلا ونال حظا كبيرا من التكريم فحصل على وسام التميز من سوريا عام 1959 من الرئيس شكرى القوتلى، ووسام من حكومة ماليزيا عام 1975 وحكومات باكستان والسنغال والعراق، ووسام الارز من لبنان، وفى عام 1983 حصل على وسام الإذاعة المصرية فى عيدها، ووسام الاستحقاق من الرئيس الراحل حسنى مبارك عام 1987وأخيرا حصل على وسام فلسطين قدمه له الرئيس ياسر عرفات. 

الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد 
الراحل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد 

وفي آخر زيارة للملك محمد الخامس بالقاهرة عرض على الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أن يترك القاهرة ويذهب معه إلى المغرب، ليستقر هناك وعرض عليه أحد القصور والجنسية المغربية فاعتذر له الشيخ ووعده بزيارة المغرب.

إصابة بالمرض حتى الرحيل 

أصيب الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بمرض السكر ثم الالتهاب الكبدى، وسافر إلى لندن للعلاج لكن وافاه الأجل بسبب مضاعفات المرض فى مثل هذا اليوم عام  1988م، بعد أن ترك وراءه مجموعة كبيرة من التسجيلات إلى جانب مصحفين مرتلين ومجودين وعدة مصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية.