فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

عباقرة ولكن مجهولون، ابن زهر أول من استعمل "البنج" وأجرى جراحة الصدر المفتوح

عبد الملك بن زهر،
عبد الملك بن زهر، فيتو

على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.

لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.

ابن زهر أول من استعمل "البنج" وأجرى جراحة الصدر المفتوح

هو أول من قام بعملية الصدر المفتوح مستعينا بالتخدير.
وتعلم من أبيه طرق التشخيص للأمراض عن طريق بول المريض وقياس نبضه. وزاد عليه النظر إلى عين المريض.
وكان يمارس الجراحة في مستشفاه الخاص بأشبيلية، وكان قبل إجراء العمليات الجراحية يعقم آلات وأدوات الجراحة بغسلها بالماء، وكان لهذا على علم بخاصية الماء في التطهير وأهمية عسل النحل في قتل الجراثيم. 
وكان على بينة من أن تلوث أدوات الجراحة تلوث الجروح.

مولده ونشأته

ولد في إشبيلية سنة 465هـ/1072م، وتوفي بها عام ١١٦٣م /٥٥٨هـ.

اسمه أَبُو مَرْوَانَ، عبد الملك بن زهر عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر الإِيَادي، المعروفُ بِابْنِ زُهْرٍ الطبيبُ الأندلسيُّ النَّطَاسِيُّ.


حفظ ابن زهر القرآن، وسمع الحديث واشتغل بعلم الأدب والعربية ولم يكن في زمانه أعلم منه باللغة. 
وكان لقب "ابن زهر" هو كنيةُ أسرةٍ عريقة من علماء المسلمين نشأت في الأندلس من بداية القرن العاشر إلى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي. وأشهرهم هو الطبيب "عبد الملك بن زهر"، ويسمى عادة "أبو مروانوي".
كان والده أبو العلاء طبيبًا ماهرًا في التشخيص والعلاج، وكان جده طبيبًا أيضًا.

وكان عبد الملك قوي الدين، ملازمًا لحدود الشرع، محبًا للخير، مهيبًا جريئًا.

وعرفه الأوروبيون باسم Avenzoar. 
كان لأعمال ابن زهر أثر كبير في تطور الطب في أوروبا فيما بعد. من مؤلفاته المترجمة إلى اللاتينية؛ التيسير في المداواة والتدبير، وقد وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية.

استعمال “البنج”

كان يستعمل في العمليات الجراحية المرقد "البنج) في تخدير مرضاه؛ فكان يستعمل طريقة الإسفنجة المخدرة التي كانت عبارة عن إسفنجة مشبعة بعصارة الأفيون الذي يحتوي على مادة المورفين المخدر، وكان يخلط العصير بأوراق ست الحسن والزؤان، ويجفف الإسفنجة في الشمس، وقبل العملية كان يرطبها بالماء ثم يضعها على أنف المريض.
وبعد العملية كان يخيط الجروح لتلتئم.. واشتهر بعلاج "الخراريج" فوق الرئة بشق الصدر وتطهيرها.

كما اشتهر ابن زهر بتشخيص التهاب غشاء القلب وأمراض الرئة، ولهذا نجد أن أساس الجراحة الحديثة في أوربا قام على أعماله، وانتشرت فنونه في التشريح هناك، ولا سيما في إيطاليا وفرنسا.

علاج الكسور

وكان بارعًا في علاج الكسور واستعمال الجبائر، ووصلت براعته في الطب لدرجة أنه من خلال علمه وخبرته الواسعة، قام بتفنيد آراء "جالينوس" في التشريح.

وكان يحضر الدواء والشراب لمرضاه من بذور النباتات بعد طحنها وغليها، ثم يقوم بتوليفها ومعايرتها، وكان ملما بأوزانها ومفرداتها. 
ومما سهل له عمله الصيدلي أنه كان ملما بأنواع الأعشاب الطبية والعقاقير الطبيعية التي كانت ترد إلى بلده إشبيلية من الهند والصين واليونان. 
وكان يجيد قراءة أسمائها بالعربية والسريانية واليونانية.

لوحة بعنوان
لوحة بعنوان "الطِّب العربيِ" تصور كلًا من موسى بن ميمون (يمين) ابن زهر (وسط) والزهراوي (يسار)، فيتو


وقام ابن زهر يجمع تراث جده وأبيه في الطب في كتابه "الاقتصاد في إصلاح الأنفس والأجساد"، وأضاف إليه، أيضا، تجاربه وأبحاثه ليكون مرجعا لكل طبيب ودارس للطب.

العلاج بالموسيقى

وقبل أن يتوصل المعاصرون إلى تلك الطريقة، كان في مستشفاه يتبع أسلوب الترفيه عن مرضاه بالاستماع إلى الموسيقى والقصاصين ورواة الشعر، وكان يعرض عليهم خيال الظل لينسوا آلامهم.
وله موشحات يغنى بها حتى الآن، وهي من أجود ما قيل في معناها.

أستاذ ابن رشد

وتتلمذ الفيلسوف الشهير ابن رشد على يدي ابن زهر، واشتركا معا في فلسفة الطب. 
فقام ابن رشد بكتابة الجزء النظري في كتابه "الكليات"، وقام ابن زهر بتفسير ما كتبه ابن رشد بكتابة كتابه "التيسير في المداواة والتدبير". 
تناول فيه ابن زهر الجزء الإكلينيكي والتجارب العملية والنتائج العلمية التي توصل إليها، ولا سيما في التشريح والدورة الدموية. ونشر كتبا في الأدوية المفردة وعلاج البرص وأمراض الجلد والشعر. 

ومما يلفت النظر ما قاله عن “الحميات العفونية”، ناصحا باستعمال الخل والفلفل للوقاية منها. وهذه حقيقة مؤكدة في علم البكتريولوجي الحديث؛ لأن البكتريا لا تعيش في وسط حامضي ولا في الزيوت الحريفة والطيارة التي في الفلفل.

 

هذا باختصار تاريخ طبيب من أبرز الأطباء المسلمين وأمهرهم، ترجمت كتبه ورسائله إلى الإيطالية عام،۱۲۸۱م، واللاتينية عام ١٤٩٠م، وطبع في ليون بفرنسا كتابه "التيسير"، وكان هذا الكتاب يطبع مع كتاب ابن رشد "الكليات" في مجلد واحد لأنهما يضمان الجزء النظري في كتاب ابن رشد، والجزء العملي في كتاب ابن زهر.