من أفغانستان إلى سوريا، خبير يكشف كيف سعى تنظيم القاعدة استنساخ نموذج "التمكين المسلح"
قال هشام النجار، الباحث في شؤون تيارات الإسلام السياسي بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، إن هناك تحولًا نوعيًا في هندسة التهديدات الإرهابية، هذا التحولُ لا يقوم على الضوضاء أو الاستعراض الدموي المباشر، بل على التكثيف الهادئ لإعادة التموضع، وإعادة بناء النفوذ، واستعادة المبادرة عبر ما يمكن تسميته بـ «حقبة الصبر الاستراتيجي».
تحول في بنية المشروع الجهادي العالمي، وتحديدًا داخل تنظيم القاعدة
وأضاف لفيتو: "هناك تحول في بنية المشروع الجهادي العالمي، وتحديدًا داخل تنظيم القاعدة الذي بدأ قبل عدة سنوات وكأنه في طور الأفول نتيجة ضربات مكافحة الإرهاب، لكنه يعود مجددًا عبر استراتيجية مغايرة تمامًا لتنظيمات العنف الأخرى؛ فهو لم يتورط في سباق الهيمنة السريعة أو الاستيلاء المباشر على السلطة كما فعل «داعش»، ولم يُغرق مشروعه في أوهام تنظيمية حالمة كالتي غرق فيها تنظيم الإخوان، بل اختار طريقًا أشد خطرًا وعمقًا (طريق التحالفات، وإعادة هندسة النفوذ من داخل البنى السياسية المتصدعة، انتظارًا للحظة المناسبة).
سيطرة طالبان على أفغانستان، شكلت نقطة انعطاف كبرى في حسابات القاعدة
وتابع: "من الواضح أن سيطرة طالبان على أفغانستان، شكلت نقطة انعطاف كبرى في حسابات القاعدة؛ فطالبان تتحكم اليوم في الدولة والموارد والحدود والمعسكرات، وتمنح من حيث تدري أو لا تدري غطاءً لوجستيًا وأمنيًا للتنظيم. هنا تتقدم أفغانستان لتصبح مركز تشغيل إقليمي، لا لإعادة إنتاج العمليات التقليدية للقاعدة فحسب، بل لصياغة نسخ جديدة من «الجهادية السياسية»، تلك التي تمزج بين السعي للسلطة محليًا، وتمهيد الطريق للقيادة المركزية عالميًا.
طالبان قد نجحت في فرض نموذج «التمكين المسلح» على دولة بأكملها
وأشار إلى أنه إذا كانت طالبان قد نجحت في فرض نموذج «التمكين المسلح» على دولة بأكملها، فإن القاعدة تلقفت هذا النموذج لتستنسخه في جغرافيا أخرى؛ ففي الساحل الإفريقي، ولا سيما في مالي وبوركينا فاسو، يتقدم التنظيم بخطوات ثابتة لاستثمار الفراغ، وتغلغل داخل العشائر، وبناء تحالفات محلية، مستنسخًا التجربة الطالبانية، ولكن بنسخة إفريقية مرنة.
واختتم:" أما في سوريا، فحضور القاعدة وفروعها يتخذ شكلًا مركبًا بين النفوذ العسكري، وتغلغل في البنى الاقتصادية والخدماتية، ومنظومة حكم محلية تتقدم ببطء ولكن بثبات، تعكس البنية العقلية ذاتها (الانتظار الطويل، والاستفادة من هشاشة الدولة، وبناء النفوذ من الأسفل إلى الأعلى)، هذا كله يؤسس لمرحلة جديدة تجعل من القاعدة التنظيم الأكثر براغماتية وقدرة على إعادة البناء بأدوات محلية وإقليمية".