كنز ماسبيرو المجهول (1)
جيلنا، وأجيال سبقته، وأجيال تلته، تربى على الاستمتاع بأثير الإذاعة المصرية، بمختلف شبكاتها؛ البرنامج العام، القرآن الكريم، الشرق الأوسط، صوت العرب، الشعب (الشباب والرياضة)، البرنامج الثقافي، البرنامج الموسيقي.
وأطربتنا وأمتعتنا أصوات مثل: فاروق شوشة.. آمال فهمي.. صفية المهندس.. حمدي الكنيسي.. هالة الحديدي.. محمد محمود شعبان "بابا شارو".. فضيلة توفيق "أبلة فضيلة".. حسن شمس "عمو حسن".... وغيرهم كثيرون.
الأجيال الحديثة قد لا تعرف تلك الأسماء المبدعة، لكن ثقافة أجيالنا تشكلت قاعدتها الأساسية، الراسخة، عبر سماع هذه الأصوات، وهي تشدو ببرامج مفيدة، وبناءة، تغرس قيما، وتحيي فضائل، وتنمي عادات طيبة، ومبادئ جميلة.
حاليا نفتقد تلك القيم، والفضائل، والعادات، والمبادئ، بعد أن دمرتها الانتهازية، والاستهتار، والخلاعة، وإهانة الكبير، وظلم الصغير، وغياب الرجولة والأنوثة في آن. والسبب؛ الأفلام التي كنا نسميها فيما مضى أفلام المقاولات، فباتت الآن هي السمة الغالبة على الشاشات.
بنيت ثقافة أجيال الستينات والسبعينات على برامج هادفة، مثل: غنوة وحدوتة.. ربات البيوت.. لغتنا الجميلة.. على الناصية.. قال الفيلسوف.. أحسن القصص.. مع الذاكرين.. ساعة لقلبك.. همسة عتاب.. كلمتين وبس.
واسمتعنا بمسلسلات، وسهرات درامية إذاعية، وعلى سبيل المثال: سمارة.. نصف دستة أولاد.. جوزي مسافر.. السندباد البحري.. ألف ليلة وليلة..
لن أنسى، ولا ينسى أترابي، أصوات: عبد الرحمن أبو زهرة.. رشوان توفيق.. سميحة أيوب.. سناء جميل.. زوزو ماضي.. عبد الرحيم الزرقاني.. عبد السلام محمد.. محمد رضا.. فؤاد المهندس.. عبد المنعم مدبولي.. سهير المرشدي.. كرم مطاوع.. وغيرهم كثيرون.
تلك البرامج والتمثيليات كانت لها أهداف رائعة، ومعاني قيمة.. تعلمنا منها الصدق والأمانة، والإخلاص في العمل، وحب الوطن، والإحسان، والدفاع عن المظلوم، ومساندة الضعيف، واحترام الكبير، والصبر.
ما زلتُ أذكر أبلة فضيلة في البرنامج العام، وعمو حسن في الشرق الأوسط، وبرامج إذاعة الشعب، قبل تغيير اسمها إلى الشباب والرياضة، كانوا يبثون فينا صفات جميلة، ويوم الجمعة كانت أبلة فضيلة تستضيف شخصية عامة، أو نجما مشهورا، أو عالما كبيرا....
ولا يمكن أن أنسى حلقة استضافت فيها القارئ العظيم الراحل مصطفى إسماعيل، حيث حكى عن قصة زيارته للقدس مع الرئيس السادات، بعد أن دعا الله، سبحانه، في عيد الأضحى السابق على الزيارة، أن يصلي العيد القادم في المسجد الأقصى، فحقق الله له مراده وقد تلا القرآن الكريم قبل صلاة عيد الأضحى، وصلى، مع الرئيس السادات، رحمهما الله، في المسجد الأقصى المبارك، يوم 19 نوفمبر 1977.
ولن أنسى الراحل الرائع حمدي الكنيسي، وهو يشدو ببرنامج "صوت المعركة"، ليستعرض يوميات النصر العظيم في أكتوبر المجيد. وكان الرئيس السادات يستمع إلى هذا البرنامج.
وإن أنسى فلا أنسى؛ ليلة استيقظت فزعا، على صراخ وعويل، وبكاء وأنين، وكان ذلك في 28 سبتمبر 1970، ذلك اليوم الأسود الذي تُوفي فيه الرئيس جمال عبد الناصر، وأصيب أبي بجلطة في الشرايين التاجية!
استمتعت إلى البيان الذي ألقاه محمد أنور السادات، أكثر من مرة.. وأنا أرى الناس من حولي منهارين، يلطمون وجوههم، ودموعهم منهمرة، وقلوبهم تعتصر ألما؛ لفقد زعيمهم وقائدهم، وخوفا من قادم الأيام!! للحديث بقية