عبث وقوة بلا تقوى، علي جمعة يحذر: دخلنا في دائرة التشبه بقوم عاد
كشف الدكتور علي جمعة، المفتي الأسبق للجمهورية، أنه برغم أن العجز مذموم، لكن المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله، حيث يمتلك المؤمن القيم والأخلاق، والإصلاح هو البناء الذي تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية.
المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله
وأكد علي جمعة أن نموذج الفاجر القوي ليس بدعًا في اعتماد مبدأ الإنجاز المذموم؛ فتاريخ البشرية يشهد بوجود هذا النموذج منذ القديم. وخير دليل على ذلك "قوم عاد"، الذين فُتنوا بقوتهم، محذرًا "يبدو أنّا قد دخلنا دائرة التشبّه بعاد: "عبثٌ، وإنجازٌ بلا قيم، وقوّةٌ بلا تقوى"
وقال الدكتور على جمعة عن العجز المذموم: "سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يربّينا أن نكون أقوياء، وأن نأخذ بيد العاجز منا ونصل به إلى القوّة؛ فالعجز مذموم، خاصة إن كان في عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس. غير أنّ "المؤمن العاجز خيرٌ من الفاجر القويّ عند الله"
وأوضح علي جمعة "ينبغي أن يكون كذلك عند الناس؛ فالمؤمن يمتلك القيم والأخلاق، والإصلاح هو البناء الذي تقوم به الحضارة الإنسانية الحقيقية. ومبدأ الإنجاز الذي نذمّه هو أن يكون وحده المعيار مع مخالفة الأخلاق والقيم والثوابت؛ أمّا الإنجاز مع الالتزام بكل ذلك فهو مطلوب ومأمور به في شرعنا".
وتابع علي جمعة: "لم يكن نموذج الفاجر القوي بدعًا في اعتماد مبدأ الإنجاز المذموم؛ فتاريخ البشرية يشهد بوجود هذا النموذج منذ القديم. وخير دليل على ذلك "قوم عاد"، وهي إحدى الأمم البائدة، حيث تودّد لهم نبيّهم هود عليه السلام، كما حكى القرآن عنه فقال: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 124–127].
دخلنا في دائرة التشبه بقوم عاد
واستطرد علي جمعة فقال: "وأدرك هودٌ أن قومه فُتنوا بمنجزاتهم؛ فأراد أن يذكّرهم أنّها نعم الله، وأن الله يزيدها إذا آمنوا به، فقال لهم: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 128–133].
وتابع علي جمعة قصة قوم عاد "فتمسّكوا بشرعية النظام الذي هم عليه، وتمسّكوا بما ورثوه وقرّروه، ولو كان مخالفًا لمراد الله ورسوله، وقالوا حسمًا للقضية: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 136–137].
وحذر علي جمعة من الدخول في دائرة التشبه بقوم عاد، فقال: "ويبدو أنّا قد دخلنا دائرة التشبّه بعاد: "عبثٌ، وإنجازٌ بلا قيم، وقوّةٌ بلا تقوى"؛ فجعلنا الإنجاز قرين القوة، وجعلنا العجز قرين التقوى، والله لا يحب أن يتقدّم الفاجر القوي على العاجز التقي، ولا يحب من التقي أن يستمر على عجزه".
وأختتم علي جمعة قائلًا: "فينبغي على المسلم أن يقدّم المقدم، ويؤخّر المؤخر؛ فيقدّم الكيف على الكم، والتقوى على الإنجاز، ويقدّم الجار قبل الدار؛ فهو دائمًا يقدّم "الإنسان على البنيان".