فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

فوز ممداني.. شكل تاني!

هل فوز زهران ممداني مجرد خبر انتخابي في أمريكا، أم أنه مرآة تُظهر ما نفتقده في عالمنا العربي؟ وهل فرحتنا بعمدة مسلم ملون حديث التجنس تعكس وعيًا سياسيًا جديدًا، أم هي تعويض نفسي عن غياب التجربة الديمقراطية الحقيقية لدينا؟


الحدث في ذاته بسيط، لكن صداه بين العرب كان عميقًا. فـ ممداني لم يفز بدعم طائفة أو لون، بل ببرنامجه وكفاءته، في تجربةٍ قالت بوضوح إن المجتمع القوي لا يخاف من الاختلاف، وإن صناديق الاقتراع هناك لا تعرف التوجيه ولا المجاملة. وهنا تتكشف المفارقة: بينما يجد المهاجر فرصة حقيقية في بلدٍ غريب، ما زال المواطن العربي يفتش عن مكانه في وطنه.


ردود الأفعال العربية كانت كاشفة. البعض سخر من واقعنا الانتخابي وأشاد بنزاهة التجربة الأمريكية، وآخرون اكتفوا بالتنفيس وعبارات الحسرة، وهناك من استسلم لفكرة أن التغيير مستحيل.

لكن الملاحظة الأهم أن الوعي الشعبي صار أكثر يقظة؛ الناس تتابع تفاصيل الانتخابات الأمريكية بدقة، لا حبًا في واشنطن، بل لأنهم يكتشفون أن ما يجري هناك يوضح ما ينقص هنا: الشفافية، تكافؤ الفرص، واحترام عقل الناخب.


في الحقيقة، المقارنة ليست بين نظامين انتخابيين فحسب، بل بين ثقافتين سياسيتين. فالديمقراطية لا تُختزل في صناديق أو شعارات، بل في منظومةٍ تُحترم فيها المؤسسات ويُحاسَب فيها المسؤول. وحين تغيب تلك المنظومة، تتحول الانتخابات إلى طقس اجتماعي شكلي، يُدار بالمجاملة والولاءات لا بالمنافسة والبرامج.


لقد أظهرت قصة زهران ممداني أن الديمقراطية ليست منحة من الغرب، بل ممارسة تبدأ من احترام الكفاءة والاختلاف. وأن المجتمعات التي تسمح لأبنائها بأن يتنافسوا بحرية، تنمو فيها السياسة كما تنمو فيها الثقة. أما نحن، فما زلنا نحتاج إلى ثورة هادئة في الوعي قبل أي تعديل في القوانين.

الخلاصة أن فوز زهران ممداني ليس درسًا في السياسة الأمريكية بقدر ما هو تذكيرٌ بواجبنا نحن: أن نبني بيئة تسمح للإنسان الكفء أن يصل، وأن نعيد تعريف الانتخابات كوسيلةٍ للتغيير لا كإجراءٍ لتكريس الواقع. يوم نصل إلى تلك اللحظة، لن نحتاج أن نحلم بانتخابات تشبه انتخاباتهم، بل سنحتفي بانتخاباتٍ تشبهنا نحن- انتخابات تصنعها إرادة الناس لا رغبات السلطة.