حديث الأربعاء
السفاهة وصمة عار والسفهاء لا يبالون
الحماقة طبعهم والبذاءة لسان حالهم، هم السفهاء ولكن لا يعلمون، السفه هو غاية الجهل ونقص في العقل. والمرءُ سَفِه سَفَهًا حتى صار عند الناس وعند الله سفيها طائشا سريع الغضب من أتفه الأمور، شيمته السَّبُّ الفاحش والكلام القبيح المتجاوز لكل حدود الأدب بعيدا عن كل ما هو مألوف من الذوق والأخلاق، فالوقاحة هي أبشع سماتهم قديما وحديثا.
لقد ورد لفظ السفاهة ومشتقاتها في القرآن في أحد عشر موضعًا، وردت بمدلولاتها المختلفة حسب سياق الآية وسبب نزولها، وكلها في المجمل تؤكد على مدلول السفهاء بأنهم الجُهّال في قولهم وفعلهم.
وكما جاء في كتاب الله ينقسم السَفَهٌ إلى قسمين، سَفَهٌ في الأمور الدنيوية وسفه في الأمور الدينية، فالسفيه هو مَن يُسيء التصرف في أمور الدنيا، مثل تبذير المال في غير موضعه، ولا يتصرف فيه بحكمة، كما جاء في قول الله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} (النساء؛5)..
ومن السفه أيضا قتل الأبناء بدون ذنب، قال تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام:140).. وقال أيضا في وصف جهل السفيه وضعفه وفقده الرشد:{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل} (البقرة:282).
كذلك لدينا سفه وتطاول على الله وأنبيائه ورسله، واستهزاء بالمؤمنين؛ قال تعالى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} (البقرة:13). وقال تعالى في ذكر سفاهة قولهم: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (البقرة:142).
ومن سفاهة السفهاء؛ الجرأة على الله كما جاء في قول الله تعالى عن سوء القول على الله: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ (الجن:4)، أي قولا جائرا عن الصواب، متعديًا للحد، وما حمله على ذلك إلا السفه، وعن إعراض السفهاء عن ملة نبي الله إبراهيم عليه السلام، قال تعالى:{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (البقرة:130).
وعن وقاحة قوم عاد مع نبيهم هود عليه السلام أن اتهموه بنقص العقل والضلال، يقول الله تعالى واصفا الموقف: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ** قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ( الأعراف:66/ 67).
هكذا حال السفهاء وسماتهم ومواقفهم التي دلّنا عليها وعليهم القرآن الكريم، ومواقف السفهاء في عصور الأديان السماوية. وما أشبه الليلة بالبارحة، فما زال بيننا سفهاء معاصرون، تجد منهم من يتطاول على منافسيه في مجاله، بل ويخوض في خصوصياتهم ويتربص بهم، وهو الذي ينفخ في رماد الفتنة بين الناس..
ولا عجب! فالسفيه احترف الكذب والتلفيق والتهييج وبث روح الكراهية والحقد في المجتمع، تجده يكرّر ذات العبارات الكريهة كل يوم باسلوب فج غير لائق، فذلك طبعه المَشين المعيب حين يجادل ويعاند بدون علم ويكابر ويدَّعي لنفسه ما ليس فيه، بكل سفه وقلة في الأدب ورصيد وافر من القبح والفحش والدناءة والرذالة.
ويمكن القول إن سفهاء اليوم قد لا يختلفون كثيرا عن سفهاء الأمس، فما نسمعه من ألفاظ جارحة من سفهاء المجتمع تخدش حياء مستمعيها؛ لهو أمر عظيم وفي تلك الظاهرة حدّث ولا حرج.
وفي شأن التعامل مع السفيه يقول الإمام الشافعي: يخاطبني السفيه بكل قُبْحٍ -فأكره أن أكون له مجيبـًا- يَزيد سفاهة فأزيد حِلْمـًا -كَعُودٍ زاده الإحراقُ طِيبـًا.. وهذا يعني أن أفضل رد على السفيه هو الصمت، لأن مجادلته تعطيه فرصة للتمادي، بينما الصمت يحرجه ويجعله يحترق غيظا وكمدا.
وفي فائدة تجنب السفهاء وعدم مخالطتهم يقول الجاحظ محذرا: اعلم أن المعنى الحقير الفاسد واللفظ الساقط يعشش في القلب، واللفظ الهجين الرديء عَلِقٌ باللسان، وآلف للسمع، وأشد التحامًا بالقلب من اللفظ النبيه الشريف.
ولنختم حديث هذا الأربعاء بدعاء ورد عن نبي الله موسى عليه السلام: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا.
nasserkhkh69@yahoo.com