سبع طرق لتخليل المانجا
المانجا حين تتخلل، تشبه الإنسان حين يضطر، كانت فاكهة بريئة، حلوة المزاج، تفوح عطرا يشبه الحرية، ثم فجأة وجدت نفسها في محل المخللات، بين الملح والخل والثوم، تتساءل في صمت: أنا إيه اللي جابني هنا؟ تماما كقلوبنا حين تصحو ذات صباح لتجد نفسها في حياة لم تخترها.
الطريقة الأولى لتخليل المانجا هي أن تقنعها أن مصيرها الأفضل هو التخليل، كما نقنع أنفسنا أن ما حدث لنا كان لازم يحصل، نغمسها في محلول الواقع المالح، ونسمي ذلك نضجا، بينما هو في الحقيقة نوع راق من الاستسلام بطعم الفلسفة.
الطريقة الثانية، أن نضغط عليها حتى تفقد ماءها الزائد، فالمانجا الرخوة لا تتخلل، كما أن الإنسان المليء بالمشاعر لا ينجو، لذا تضطر الأسنان أن تقسو قليلا، تقضم بحذر، وتقول: طعمها مش حامض؟! ثم تبتلع ما لا يبتلع.
الطريقة الثالثة، أن نتركها أياما في الظل، لا شمس ولا هواء، فقط الانتظار، وهذا يشبه قراراتنا التي لا تتخذ، بل تترك لتتعفن ببطء داخل علب الوقت، حتى إذا فتحت بعد حين، صارت حكايات لا تؤكل ولا تنسى.
الطريقة الرابعة، أن نضيف فلفلا حارا كي لا نمل، لأن المخلل بلا وجع لا يحفظ، والإنسان بلا معاناة ينسى، لذلك نخلط الألم بالتوابل، ونسميها نكهة الحياة، نبتسم بعد اللقمة الأولى ونقول لأنفسنا: الحمد لله على النعمة.. مهما كانت لاذعة.
الطريقة الخامسة، أن نقلب البرطمان كل فترة حتى يتوزع الطعم، مثلما نقلب مواقفنا كل فترة كي نحافظ على توازننا، نحن لا نغير قناعاتنا بل نحركها قليلا كي لا تفسد، لأن الجمود في المخللات أخطر من العفن.
الطريقة السادسة، أن نغلق الغطاء بإحكام، لا نريد للهواء أن يفسد التجربة، فكل ما دخلته الريح فسد، تماما كالعلاقات التي نفتحها للناس كي يشوفوا الحب، ثم نتفاجأ أن كل ما شافوه.. اتبخر، وترك لنا مانجا بلا طعم ولا سر.
الطريقة السابعة، أن ننتظر النتيجة بصبر، نفتح البرطمان بعد أسابيع، نشم الرائحة ونقول: ياااه، بقت مخللة فعلا.، ثم ندرك أننا لم نخلل المانجا فقط، بل خللنا أنفسنا معها، صرنا نحن وهي وجهين لنفس البرطمان.. طعمنا تغير، لكننا ما زلنا نؤكل بابتسامة مضطرة.
في النهاية، تخليل المانجا درس في الفلسفة أكثر منه في المطبخ، فكل شيء في الحياة يتخلل حين لا يجد مفرا، وكل سن تضطر أن تعض ما أمامها، حتى لو لم تحبه، لأن العيش في المالح أهون من التعفن في الحلو.