فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

نحن وهم !

ترى، ماذا لو اختفت من بلادنا ثقافة الواسطة والمحسوبية؟ كيف سيكون حالنا لو لم يُقدَّم أهل الثقة على أهل الكفاءة، وأهل الولاء على أهل الاختصاص؟ هل نحن فعلًا أمة تُقدّر العلم وتكرم العلماء، أم أننا نرفع لاعب الكرة والفنان والراقصة إلى مرتبة النجم والقدوة، بينما يظل الباحث والمفكر في الظل؟
هل نحن أمة تؤمن بالموضوعية، وتعرف للبحث العلمي مكانته، وتدرك أن طريق القوة والمنعة لا يُشق إلا بالعلم والعمل والإنتاج؟ ألسنا في حاجة إلى أن نزرع ما نأكل، ونصنع ما نلبس، ونبتكر ما نتداوى به، وننتج ما ندفع به عن أنفسنا عدوان الجهل والتبعية؟

هذه الأسئلة ليست ترفًا فكريًا، بل مفاتيح لحقيقة مرة نعيشها كل يوم: أن هناك قوانين غير مكتوبة تحكم واقعنا أكثر مما تفعل الدساتير واللوائح. قوانين عرفناها بالصمت الطويل عليها حتى أصبحت جزءًا من ثقافتنا الإدارية والاجتماعية.

 

أولها أن الأقربين أولى بالمناصب، وثانيها أن الولاء أهم من الكفاءة، وثالثها أن الطاعة هي الدليل على الانتماء، أما رابعها فهو أن الحفاظ على الكرسي أهم من الحفاظ على الوطن. تلك القواعد غير المعلنة تقتل روح التنافس الشريف، وتُفرغ المؤسسات من طاقاتها، وتُقصي كل صاحب فكر مستقل أو رأي مبدع.

 

وحين يُقدَّم الولاء على الكفاءة، والقرابة على الاستحقاق، والسكوت على الصواب، يتحول المنصب إلى غاية لا إلى وسيلة، ويتحول الوطن إلى مقعد كبير يتقاتل عليه الصغار.         

 

إن الفارق الجوهري بيننا وبين الأمم التي تقدمت ليس في الذكاء الفطري ولا في الموارد، بل في المنظومة التي تحترم العلم وتضع الإنسان المناسب في مكانه الصحيح. الغرب لم يتقدم بالمعجزات، بل بإطلاق العقول من قيود الولاء، وبناء مؤسسات تُكافئ الكفاءة لا القرابة، وتعتمد الشفافية لا التراتب الشخصي.          

تقدّموا لأنهم جعلوا من السؤال منهجًا، ومن النقد وسيلة للتقويم، ومن البحث العلمي طريقًا للسيادة.
وتخلّفنا لأننا جعلنا من الولاء سُلّمًا، ومن الصمت فضيلة، ومن الكرسي هدفا أسمى نلتمس إليه كل وسيلة ممكنة. وحين نكسر هذه القوانين غير المكتوبة، ونؤمن أن الكرسي زائل والوطن باقٍ، عندها فقط يمكن أن نلحق بركب الأمم التي صنعت مجدها بالعلم، لا بالولاء، وبالجهد، لا بالواسطة.