فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

من قصص القرآن الكريم، الهدهد سببا في إسلام مملكة سبأ

سيدنا سليمان والهدهد
سيدنا سليمان والهدهد وبلقيس، فيتو

نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.

سيدنا سليمان والهدهد وبلقيس

من أشهر قصص القرآن الكريم، قصة الهدهد مع سيدنا سليمان، عليه السلام، حيث كان هذا الطائر سببا في إسلام مملكة بأسرها.

سجل القرآن الكريم تفاصيل القصة كاملة في هذه الآيات: "وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيۡرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ (21) فَمَكَثَ غَيۡرَ بَعِيدٖ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإٖ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٞ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا يَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمۡ لَا يَهۡتَدُونَ (24) أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ (25) ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (27) ٱذۡهَب بِّكِتَٰبِي هَٰذَا فَأَلۡقِهۡ إِلَيۡهِمۡ ثُمَّ تَوَلَّ عَنۡهُمۡ فَٱنظُرۡ مَاذَا يَرۡجِعُونَ (28) قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ إِنِّيٓ أُلۡقِيَ إِلَيَّ كِتَٰبٞ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ (31) قَالَتۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَفۡتُونِي فِيٓ أَمۡرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ (32) قَالُواْ نَحۡنُ أُوْلُواْ قُوَّةٖ وَأُوْلُواْ بَأۡسٖ شَدِيدٖ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَيۡكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأۡمُرِينَ (33) قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرۡسِلَةٌ إِلَيۡهِم بِهَدِيَّةٖ فَنَاظِرَةُۢ بِمَ يَرۡجِعُ ٱلۡمُرۡسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَآءَ سُلَيۡمَٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٖ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۚ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ (36) ٱرۡجِعۡ إِلَيۡهِمۡ فَلَنَأۡتِيَنَّهُم بِجُنُودٖ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخۡرِجَنَّهُم مِّنۡهَآ أَذِلَّةٗ وَهُمۡ صَٰغِرُونَ" (النمل: 20 – 37).

في تلك الآيات، يذكر تعالى ما كان من أمر سليمان والهدهد; وذلك أن الطيور كان على كل صنف منها مقدمون يقومون بما يطلب منهم، ويحضرون عنده بالنوبة (الموعد المحدد)، كما هي عادة الجنود مع الملوك، وكانت وظيفة الهدهد وفق ما ذكره ابن عباس وغيره، أنهم كانوا إذا احتاجوا للماء في القفار في حال الأسفار، يجيء فينظر لهم هل بهذه البقاع من ماء، وفيه من القوة التي أودعها الله تعالى فيه، أن ينظر إلى الماء تحت تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه حفروا عنه واستنبطوه وأخرجوه، واستعملوه لحاجتهم.

وذات يوم طلبه سليمان، عليه السلام، لكنه فقده ولم يجده في موضعه من محل خدمته، فقال: "ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين"، أي: ما له أمفقود من هاهنا؟!، أو قد غاب عن بصري فلا أراه بحضرتي؟! لأعذبنه عذابا شديدا، توعده بنوع من العذاب اختلف المفسرون فيه، أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين، أي: بحجة تنجيه من هذه الورطة.

قصة بلقيس ملكة سبأ

يقول الله سبحانه: فمكث غير بعيد، أي: فغاب الهدهد غيبة ليست بطويلة، ثم قدم منها، فقال لسليمان: أحطت بما لم تحط به أي اطلعت على ما لم تطلع عليه. 

وجئتك من سبإ بنبإ يقين، أي: بخبر صادق.. إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. يذكر ما كان عليه ملوك سبأ في بلاد اليمن من المملكة العظيمة والتبابعة المتوجين، وكان الملك قد آل في ذلك الزمان إلى امرأة منهم ابنة ملكهم، لم يخلف غيرها فملكوها عليهم.

ويُروى أن قومها ملكوا عليهم بعد أبيها رجلا، فعم به الفساد فأرسلت إليه تخطبه فتزوجها، فلما دخلت عليه سقته خمرا، ثم حزت رأسه ونصبته على بابها، فأقبل الناس عليها وملكوها عليهم. وهي بلقيس بنت البشرخ، وهو الهذهاذ. وقيل: شراحيل بن ذي جدن بن البشرخ بن الحارث بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. 

وكان أبوها من أكابر الملوك، وكان تأبى أن يتزوج من أهل اليمن فيقال: إنه تزوج بامرأة من الجن، اسمها ريحانة بنت الشكر، فولدت له هذه المرأة، واسمها بلعمة، ويقال لها: بلقيس.

"ولها عرش عظيم"

"وأوتيت من كل شيء"، أي: مما من شأنه أن تؤتاه الملوك. "ولها عرش عظيم"، يعني سرير مملكتها، كان مزخرفا بأنواع الجواهر واللآلئ والذهب والحلي الباهر.

ثم ذكر كفرهم بالله وعبادتهم الشمس من دون الله، وإضلال الشيطان لهم وصده إياهم عن عبادة الله وحده لا شريك له الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون، أي: يعلم السرائر والظواهر من المحسوسات والمعنويات، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم، أي: له العرش العظيم، الذي لا أعظم منه في المخلوقات. 

ألا تعلوا عليَّ وأتوني مسلمين

بعدها بعث معه سليمان، عليه السلام، كتابه يتضمن دعوته لهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله، والإنابة والإذعان إلى الدخول في الخضوع لملكه وسلطانه; ولهذا قال لهم: ألا تعلوا عليَّ، أي: لا تستكبروا عن طاعتي وامتثال أوامري. وأتوني مسلمين، أي: وأقدموا علي سامعين مطيعين بلا معاودة ولا مراودة، ولا مجادلة.

ووصل الكتاب إلى بلقيس مع الهدهد، ومن ثم اتخذ الناس البطائق، تلك البطاقة كانت مع طائر سامع مطيع فاهم عالم بما يقول، ويقال له، ويذكر المفسرون أن الهدهد حمل الكتاب وجاء إلى قصرها فألقاه إليها وهي في خلوة لها، ثم وقف ناحية ينتظر ما يكون من جوابها عن كتابها، فماذا سيكون من أمرها؟