فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

السيد البدوي وطنطا حكاية عشق

تسير القلوب قبل الأقدام إلى طنطا تلك المدينة التي تتحول في أكتوبر من كل عام إلى بحرٍ من البشر، تهفو إليه الأنفاس وتنجذب إليه الأرواح من كل صوب وحدب. هناك في رحاب شيخ العرب السيد أحمد البدوي بمدينة طنطا بدأت الحكاية التي لا تُروى بالكلمات فقط بل تُعاش بالحسّ والوجدان، حكاية عشقٍ ممتدٍ بين المصريين وآل البيت.

منذ أكثر من أسبوع هرول الآلاف من الأهالي والمتصوفة من كل محافظات مصر بل ومن العالم العربي إلى ساحة المسجد الأحمدي بـ طنطا حيث مقام السيد البدوي. وأمس قدرت الأجهزة التنفيذية والأمنية بمحافظة الغربية أعداد الزائرين بأكثر من مليوني زائر توافدوا على المدينة منذ الصباح الباكر..

امتد الساحة كبحرٍ من الخيام والأنوار تفيض حياةً وذكرًا ومددًا وتكتظ الشوارع المجاورة بالدراويش والمجاذيب والمريدين، كلٌّ يحمل في قلبه نيةً وفي عينيه حنين وفي روحه يقين.

هؤلاء المجاذيب كما يصفهم العارفون قلوبهم تتحدث قبل ألسنتهم وعيونهم تشع ببريقٍ لا تراه إلا الأرواح الطاهرة بريق من صدق التوجه وصفاء النية يأتون من أقاصي البلاد لركعتين في رحاب المقام أو لمناجاة وليٍّ صالح أو لحضور وصلة ذكر بخيمة المشايخ تلك التي إن ظفرت بمكانٍ فيها وسط الزحام فكأنك فزت فوزًا عظيمًا.

على مدار أسبوع كامل عاشت مدينة طنطا أجواءً روحانية فريدة تذوب فيها الفوارق وتلتقي الأرواح على مائدة المحبة وترتفع الأعلام وتُضاء الشوارع وتُقام الحضرات وتتعانق أصوات الذكر مع نسمات الخريف لتعلن أن المولد الكبير قد بدأ، وأن طنطا قد لبست ثوبها الصوفي الذي تنتظره كل عام.

وللسيد البدوي احتفالان سنويان الأول يُعرف بـ"الرجبية" في شهر أبريل إحياءً لذكرى التاجر الصالح رجب العسيلي الذي كان يحمل كسوة المقام الجديدة في موكبٍ مهيبٍ حتى ضريح السيد، أما الاحتفال الأكبر فهو الذي اختتم أمس، فهو مولد السيد البدوي الذي يُعد من أضخم وأشهر الموالد الدينية في مصر والعالم الإسلامي يشارك فيه الملايين من المريدين والعاشقين لآل البيت.

ومن هو السيد البدوي؟

هو أحمد بن علي البدوي من نسل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد رسول الله ﷺ، وُلد بزقاق الحجر بمدينة فاس المغربية وعُرف بألقابٍ عديدة منها: شيخ العرب والملثم والسطوحي والقدوسي وأبو الفتيان وجيّاب الأسرى والعطّاب والزاهد.

جاء إلى مصر فاستقر في طنطا فكانت له فيها البركة والذكرى والكرامة وظل مقامه مقصدًا للمحبين وملاذًا للتائهين وميدانًا يلتقي فيه الذاكرون والداعون حتى صار مولده حكاية عشق مصرية خالدة تتجدد كل عام.

هكذا كانت طنطا في ليالي مولد البدوي مدينة لا تنام على وقع الذكر ولا تهدأ إلا بعد أن تُطوى آخر خيمة وتُودّع آخر نغمة من نداء المريدين: “مدد يا سيدي أحمد البدوي.. مدد يا شيخ العرب”.