فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

حلم.. ماذا لو وضعنا كل شخص في مكانه الصحيح؟!

في أوروبا والدول المتقدمة كل شخص من أفراد المجتمع يتم وضعه في مكانه الصحيح الذي يناسب إمكاناته وقدراته، اللهم إلا حالات واستثناءات قليلة لا تشكل نسبة تذكر، وبالتالي لا تؤثر على السياق العام، كل شخص في المجتمع توكل إليه مهمة ووظيفة يضطلع بها وبواجباتها على أكمل وجه بكل إخلاص وجد، كونه مؤهلًا لها تماما ومتخصصا فيها، حيث إن هذه الدول والمجتمعات المتحضرة المتطورة تؤمن أشد الإيمان بمبدأ التخصص في جميع المجالات.


كل إنسان له مواهب وقدرات ومؤهلات خاصة في مجال معين يتخصص فيه ويلتزم به حتى يعطي ويبدع فيه، كي يفيد المنظومة التي يعمل بها أيما إفادة بصفة خاصة ومجتمعه وبلده بصفة عامة، وفي هذا المناخ الصحي الشفاف تكاد تختفي عوامل الواسطة والمحسوبية والعشوائية، وآفة تفضيل أهل الثقة والشلة على أهل الخبرة والكفاءة التي هي للأسف أساس ومنهج مجتمعاتنا العربية ودول العالم الثالث في كل مجالات الحياة!

وسبب رئيس مع أسباب أخرى مشابهة ومكملة لها في تراجعنا وتخلفنا بسنوات ضوئية عن دول العالم المتقدمة، في كافة نواحي الحياة.. الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والسياسية والثقافية والإعلامية والفنية إلى أخره، والأخيرتان لنا معهما وقفة في السطور التالية.

الشللية والمحسوبية والواسطة

تعرضنا كثيرا في مقالات سابقة لموضوع الشللية والمحسوبية والواسطة في الوسطين الفني والإعلامي، وقلنا إنهم آفة هذا الوسطين وخطيئته الكبرى، التي أفسدت كل شيء وقضت على اليابس والماء وتركته موهونا مأزوما يعاني أمراض عديدة مزمنة ومشاكل لا حصر لها.. 

انعكست بشكل سلبي جدا على مستوى كل ما يقدم من أعمال فنية ضعيفة ومكررة لا تفيد قدر ما تضر، ومن برامج بعيدة كل البعد عما يحتاجه الناس، بل وكثيرا ما تسيء لهم وتستخف بعقولهم وتضحك عليهم.


ومرجع كل هذا في تصوري يعود إلى إحتكار عدد من الشركات والكيانات لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، حديثة العهد والخبرة ومحدودة الكفاءة وقليلة الخبرة بالعملية الإنتاجية بكل عناصرها، من فنانين ومخرجين ومؤلفين وفنيين ومحطات فضائية ومذيعين وكوادر إلى أخره.


ولأن فاقد الشيء لا يعطيه بالتأكيد فإنهم يقومون بالاعتماد فقط على المقربين منهم، ومن أعضاء شللهم وممن يدينون لهم بالولاء والطاعة ويداهنوهم ويطبلون لهم على طول الخط. وأغلب هؤلاء من محدودي وعديمي الموهبة والقدرات، في حين يتجاهلون مع سبق الإصرار أصحاب المواهب والكفاءة من المبدعين الحقيقين في مختلف فروع الفن والإعلام.
ومعظم القائمين على هذه الشركات والكيانات المحتكرة للفن والإعلام لا يتسمون بالتخصص، ولا الكفاءة ولا بالمواصفات التي يجب توافرها فيمن يتصدى لهذه المهام، ومن ثم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ولا تحب بالطبع.

 تراجع مخيف 

وبإطلالة سريعة على دفتر أحوال الفن وأهله في مصر خلال السنوات الأخيرة، سنجد أنه قد شهد تراجعا مخيفا كما وكيفا  بصورة غير مسبوقة.. فعلى مستوى الدراما التليفزيونية كنا ننتج حتى وقت قريب في شهر رمضان وحده نحو 70 عملا متنوعا بين الكوميدية والدراما الاجتماعية والإنسانية والدينية والتاريخية والفوازير، أعمال رائعة ومحترمة.. 

تقلصت منذ أحداث يناير 2011 إلى 30 أو 35  عملا فقط، أغلبها مسلسلات كوميدية وجريمة وعنف ودماء وتشويه للقيم والتقاليد المتوارثة، وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى التنبيه في أكثر من مناسبة إلى خطورة هذه المسلسلات على المجتمع وثوابته، موجها بضرورة العودة بسرعة إلى الأعمال الهادفة التي تربت عليها أجيال عديدة.


وعلى مستوى السينما التي تمتلك فيها مصرنا الحبيبة تاريخا مضيئًا وحافلا بالأعمال العظيمة 
أصبح الحاضر والمستقبل الخاص بها لا معالم له، فبعد أن كنا نتباهى بتقديم أكثر من 100 فيلم في العام الواحد، أغلبها أعمال جيدة ومحترمة أضحينا لا نشاهد أكثر من 25 أو 30 فيلما سنويا على الأكثر.. 

معظمها دون المستوى، يسيطر عليها اللون الكوميدي دون مضمون، الذي يعتمد على الإفيه والنكتة لانتزاع الضحك من الجمهور دون أن يفلح في ذلك، كتاب ومخرجو وصناع هذه الأعمال لا علاقة لهم بالفن من قريب أو من بعيد!

تجاوزهم الزمن

وعلى مستوى المهرجانات الفنية المهمة للفن والفنانين والتي تعكس للعالم حال الفن ببلدنا، نجد أن أغلب القائمين على تأسيس وإدارة وتنظيم هذه المهرجانات، وما أكثرها بمصر في السنوات الأخيرة من غير المتخصصين في الفن بمختلف فروعه، بل هم من الهواة الباحثين عن الشهرة والطامعين في المكسب المالي السريع أو من محاسيب أصحاب النفوذ والسلطة.. 

والنتيجة احتفالات وريد كاربت وتكريمات ومجاملات وجوائز وألقاب لا قيمة لها، ومظاهر لا تفيد الفن ولا تحقق الهدف المأمول منها ولا تسمن ولا تغني من جوع.


أما بالنسبة للإعلام والبرامج، فأصبحت لغته السائدة والمسيطرة بعد يناير 2011 لدى غالبية مقدمي البرامج الصوت العالي والزعيق والتطبيل والنفاق والرياء وتشويه الحقائق ولوي عنقها، من أجل مداهنة وكسب ود كبار القوم والمسؤولين وأصحاب النفوذ والسلطان والقائمين على المحطات والمؤسسات الإعلامية من كيانات ودول.. 

والهدف والغاية الأساسية الحفاظ على المكتسبات والمناصب والمواقع وزيادة وتراكم الثروات بأي طريقة مهما كانت دون الوضع في الاعتبار مصالح الناس ومشاكلهم وهمومهم واحتياجاتهم.

ومن ثم شاهدنا ومازلنا وجوها إعلامية مشوهة تجاوزها الزمن وعفا عليها ولفظها الناس، ولكنهم مازالوا يقاومون ويكابرون وينكرون ويتشبثون بمواقعهم  ويفرضون علينا فرضا.. ولكن أخيرًا ماذا لو حلمنا ولو بطلنا نحلم نموت أننا وضعنا كل شخص في المجتمع في مكانه الصحيح المؤهل، له كما يحدث في الدول المتقدمة؟!