الوزير الفاشل
لا أعرف -ولا غيري يعرف- المعايير التي بموجبها يختار الدكتور مصطفى مدبولي وزراءه، ولا أعرف -حتى تاريخه- سببًا وجيهًا لاختيار المحاسب علاء فاروق وزيرًا للزراعة، وهو قد لا يعرف الفرق بين البطاطا والبطاطس، ولا يدرك أنه في موقعه خادم للفلاحين الذين تحملوا مسئوليات قومية ووطنية لا يفهمها علاء.
الوزير المذكور قال -لا فض فوه- إن الأسعار في مصر بالقياس لأوروبا "في حتة تانية"، والمثير أنه انتمى إلى القطاع المصرفي أي أنه من المفترض فيه أنه يفهم قليلًا من الاقتصاد، والوزير فيما قال ذهب عقله إلى مساحات من الفراغ والعتمة وربما الضلال.
وقال علاء فاروق ما معناه: إننا نأكل كثيرًا، وإن المواطن الأوروبي يشتري الفاكهة بالواحدة، وقد لا يعرف أن المصريين شاهدوا هذا العام العنب وكأنهم في الملعب، أي إنهم شاهدوه فقط، استمتعوا بالعنب بالمشاهدة وليس بالمعاينة النافية للجهالة، أما قولته إن "المانجة" لم تجد من يأكلها، فالإجابة عليه أنها لم تجد من يستطيع شراءها.
وإذا أخذنا ما قاله علاء فاروق حول مقارنة الأسعار بين مصر وأوروبا، فهل سأل الوزير نفسه سؤالًا مهمًا ألا وهو: هل يمكن لوزير في أوروبا أن يصطحب معه قائد حرسه الشخصي في رحلات عمل إلى خارج بلاده؟ وهل يمكن لوزير في أوروبا أن يكلف الدولة مصروفات سفر حارسه في رحلة عمل خارج البلاد؟
أنتظر الإجابة، وأتمنى أن يكون الحارس الذي سافر مع وزير الزراعة في بلد يعاني أزمة ديون وأزمة اقتصادية صعبة قد جرى سفره على نفقة الوزير الشخصية أو على نفقة الحارس الشخصية، لأن الأوروبيين الذين يشترون الفاكهة بالواحدة يفرقون بين العام والخاص جيدًا.
وعن حكايات الوزير الذي جاء إلى موقعه في مفاجأة من العيار الثقيل، باعتباره لم يكن سياسيًا بارعًا، وأنا على يقين أن سيادته قد لا يعرف عدد الأحزاب السياسية في مصر، ولأنه لم يكن فذًا وعملاقًا في إدارة البنوك، وأردنا الاستفادة من قدراته الإدارية في وزارة الزراعة، إذ إن كل من عمل معه يراه على نحو "العادي" والعادي جدًا.
عن حكاياته في التصريحات المدهشة حدث ولا حرج، فقد طالب سيادته الفلاحين أن "يصبروا" على أزمة الأسمدة التي نصدرها، ونحرم السوق المحلي منها، وهو لا يعرف أن كلمة "اصبروا" هذه تعني شيئًا واحدًا، وهو أن على الفلاحين ترك أراضيهم نهبًا للبوار في هذا الموسم، وعلى الشعب المصري أن يأكل طوبًا وأحجارًا، حيث إن الأسمدة حاجة آنية ملحّة وليست بناءً تراكميًا يمكن الاستغناء عنه والصبر على غيابه!
الوزير "الهمام" عاير الفلاحين ظنًا منه أن الأسمدة منحة أو هبة تقدمها الحكومة للفلاحين الذين شرفوا الزراعة المصرية، وقدموا للدخل القومي أرقامًا مذهلة في رحلة التصدير إلى الخارج، ومنافسة فلاحي أوروبا وأمريكا الذين يحظون بدعم بلادهم في السوق العالمي، وتجاهل أن راتبه وبدلاته وبدلات سفر حارسه إنما يتقاضاها من جيوب الفلاح المنهك بوجود وزير مثله أعلى هرم الإدارة الزراعية في البلاد.
مثل هذه النوعية من الوزراء إنما جاءت إلى مواقعها إما بالصدفة أو بعدم دراسة ملفاتهم جيدًا أو بالمجاملة، أو أن المنصب الوزاري في بلادنا قد يمنح لبعض العائلات ليضاف إلى السيرة الذاتية للقبيلة، ووجود مثل هذا النوع من الوزراء "الفشلة" يصيب بالإحباط واليأس واللامبالاة.