زقاق المدق.. من حواري القاهرة للمكسيك.. سلمى حايك تعيد إحياء دور «حميدة» بعد 32 سنة ونجيب محفوظ يدافع عن حسن الإمام رغم الجدل
زقاق المدق، من أروع أعمال نجيب محفوظ التي قدمتها السينما، كتب روايتها عام 1947 وهى تعكس التأثيرات السلبية للاستعمار على المصريين، والسلوك العام أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، واتخذ نجيب محفوظ اسم الرواية ـ زقاق المدق ـ من أحد الأزقة المتفرعة من حارة الصناديقية المتفرعة من شارع المعز بمنطقة الحسين، أما اسم المدق فيرجع إلى دق العطارين للتوابل.
أما مقهى "كرشة" فهى أشهر مكان موجود بالزقاق جلس عليها نجيب محفوظ أياما وليالي طويلة لقربها من حى الجمالية الذى يقع فيه بيت نجيب محفوظ القديم والذي عاش فيه صباه، وصاحب المقهى المعلم على يوسف الذى رحل عن 120 عاما، كانت هي المقهى الوحيدة التي يسمح لها بالسهر استثناءً حتى الثانية صباحا صيفا وشتاء، وذلك من خلال تصريح بختم ملكي من الملك السابق فاروق عام 1944 فى الوقت الذى كان فيه السهر ممنوعا تبعا للأحكام العرفية.
دور حميدة شخصية رئيسية
وتحولت رواية زقاق المدق إلى فيلم سينمائى ـ عرض في مثل هذا اليوم 24 سبتمبر عام 1963 بنفس الاسم بطولة شادية التي قدمت دور حميدة الشخصية الرئيسية في الفيلم، وصلاح قابيل في دور عباس الحلو، ويدور الفيلم حول الفتاة اليتيمة الطامحة للثراء، تتم خطبتها لحلاق الزقاق، الذي يقرر السفر ليحصل على مال أكثر ليفي باحتياجات الزواج من حميدة الطموحة، وبعد سفره يقوم قواد محترف ـ يوسف شعبان ـ بإغوائها، وبعد تورطها في حياتها الجديدة تنسى زوجها الحلاق وأهل الزقاق، لتجمعها الصدفة به مرة أخرى فيقرر الانتقام منها بقتلها.

وكتب سيناريو وحوار فيلم “زقاق المدق” الكاتب سعد الدين وهبة وأخرجه حسن الإمام وشارك في التمثيل عقيلة راتب، سامية جمال، حسن يوسف، محمد رضا، توفيق الدقن، عبد الوارث عسر، ثريا حلمى، عبد المنعم إبراهيم.

وحضر الأديب نجيب محفوظ جلسات الإعداد وبروفات فيلم زقاق المدق وأبدى إعجابا شديدا بأداء الفنانة شادية في الفيلم فكتب عن البطلة يقول: شادية جعلتني أشاهد حميدة على الشاشة، لقد كنت أشعر بكل نبضة من نبضات حميدة متجسدة أمامي وشعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق نجحت هي في الخروج منه وأصبحت شخصية حقيقية تتحرك أمامي على الشاشة.
غضب المعلم كرشة من الكاتب
ثار المعلم على يوسف الذي رمز له المعلم كرشة فى الفيلم وهو صاحب أشهر مقهى في زقاق المدق بعد عرض الفيلم مباشرة، وكان صديقا للأديب نجيب محفوظ الذى غضب بسبب إظهار في الفيلم صورة المعلم صاحب المقهى ــ الجد الأكبر ــ على أنه تاجر مخدرات فكان في صورة سيئة كرهها الجمهور بالرغم من أنه لم يكن يدخن السيجارة، وقد أدى شخصية المعلم كرشة الفنان محمد رضا، واستمر الخصام مع الأديب الكبير الذى كان رغم ذلك يداوم على زيارة المقهى.
هاجم كثير من النقاد السينمائيين المخرج حسن الإمام الذي جعل شخصية "حميدة" الفتاة اللعوب صارخة الأنوثة هي الشخصية المحورية في الفيلم متجاهلا باقي أحداث قصة زقاق المدق، وكذلك باقى شخصيات القصة الأصلية بالرغم من وجود شخصيات ثرية في الفيلم.

وعلق كاتب السيناريو سعد الدين وهبة على الحملة التي أثيرت على الفيلم وقال: اعتبر زقاق المدق أحسن ما كتب نجيب محفوظ وهى بمثابة الأم للثلاثية وغيرها من رواياته، وأنا عندما كتبت السيناريو لم أحاول التضحية بأى شخصية في القصة، وقد ركزت على شخصية حميدة، ولم أغفل ما دونها حتى إنه عندما تم تصوير الفيلم وصل مدة عرضه 200 دقيقة فقام المخرج والمنتج بحذف 60 دقيقة كاملة حافظ فيها على دوري حميدة وعباس الحلو وحذف قصص الشخصيات الأخرى، وهاجم النقاد حسن الإمام ولو لم أكن أنا كاتب السيناريو الذي شوهه حسن الإمام لكنت هاجمته وهاجمت إخراجه للفيلم.
إنصاف حسن الإمام
إلا أن الأديب نجيب محفوظ أنصف حسن الإمام مخرج فيلم زقاق المدق مدافعا عنه قائلا: السينما لها مقتضيات خاصة بها، هي لا تستطيع مثلا ترجمة الكتاب ترجمة حرفية، لكن الضرورة السينمائية تحكم تحويل كتاب 600 صفحة إلى فيلم مدته ساعتين، وقد اطلعت على سيناريو الفيلم الذي كتبه سعد الدين وهبة الذى أعجبنى وكان متكاملًا ومعبرا عن الرواية.
محفوظ يطالب بالفصل بين الرواية والفيلم
وأضاف محفوظ: عند تصوير زقاق المدق فوجئوا أن الالتزام بالسيناريو مستحيل، ذلك لأن مدة الفيلم قد تصل إلى أربع ساعات، واختاروا طريقا أسلم يجمع الأحداث حول شخصية حميدة التي قدمتها الفنانة شادية، بل كان مقترحا منهم أن يكون اسم الفيلم "حميدة" لذلك أنصح مشاهد الفيلم من جمهوري أن يفصل نفسه تماما عن النص الأصلى للرواية الأدبية، لأننا يجب أن نحترم وجهة نظر المخرج لأنه فنان ومبدع وليس مترجما للرواية.

أيضا قدمت رواية زقاق المدق كمسرحية بنفس الاسم من إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية من إخراج عادل عبده وبطولة دنيا عبد العزيز، كريم الحسيني، مجدى فكري، بهاء ثروت، بثينة رشوان، شمس، سيد جبر، حسان العربي، عبد الله سعد، أحمد صادق، مراد فكري، مروة نصير، هاني عبد الهادي.

وعن قصة زقاق المدق ظهر فيلم مكسيكى عام 1995 باسم "زقاق المعجزات "كتبه فيسنتى لينيرو، وأخرجه خورخى فونس وكان البطولة الأولى لسلمى حايك، الفيلم مقتبس من قصة كاتبنا الكبير نجيب محفوظ وتدور أحداثه فى لإحدى الحارات القديمة بمكسيكو سيتى، واختير الفيلم ليمثل المكسيك كأفضل فيلم بلغة أجنبية فى الأوسكار رقم 68 لكن لم يتم قبوله.