فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

دراكولا يسرق التاريخ (2)

 أحد عشر دولة حرة اعترفت بفلسطين دولة حرة مستقلة، وكان علينا نحن العرب أن نستثمر هذا الموقف التاريخي بأن نضغط بكل قوانا، لوقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة، ولبنان، وسوريا، وغيرها، ولكن كعادتنا استغرقتنا المصالح الضيقة والرؤى القاصرة عن أن نقدم شيئا ذا بال لإخواننا الغزاويين!


في رؤيته لما أسميناه بـ سرقة التاريخ، يتساءل الدكتور عزام أبو سلامة، رئيس جمعية الزي الفلسطيني: كيف نحمي التراث والهوية والإرث الحضاري؟ ويجيب بأن ذلك يأتى من خلال عدة خطوات؛ أولهًا: التوثيق والأرشفة (أداة المقاومة)، فالتراث الفلسطيني لا يعيش في الكتب والمتاحف ولا هو معلق على الجدران وحدها، إنما هو في حياة الناس اليومية.. 

 

ولأن كثيرًا من هذا التراث ما يزال شفويًا، معرضًا للنسيان أو التزوير وبحاجة مستمرة إلى: أرشيف وطني شامل يضم تسجيلات بالصوت والصورة والنص لكل ما يتعلق بالتراث، من الحكايات الشعبية إلى الأثواب المطرزة بمواكبة التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي.


وأيضا، تطوير منصات رقمية تتيح للجمهور والباحثين محليًا ودوليًا الوصول لهذه الذاكرة والأرشيف، مع مشاركة العائلات الفلسطينية في عملية التوثيق، بحيث تُسجل وتُعرض مقتنياتهم الخاصة من أدوات منزلية وثياب تقليدية. 

وعدم اقتصاره على المؤسسات الرسمية، بل يجب أن يكون لكل مواطن دور فيه، والتوثيق هنا ليس عملًا أكاديميًا فقط، بل فعل مقاومة يحرم الاحتلال من فرصة الادعاء بفراغ تاريخي أو نسب التراث لغير أهله.

 

وثاني تلك الأدوات؛ القانون والشرعية الدولية (حماية رسمية للهوية)، فلا يمكن للتراث أن يبقى أسير المبادرات الفردية فقط، بل نحتاج إلى الإجراءات والوسائل القانونية لحمايته، وهناك العديد من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي غير المادي، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح. 

 

فمن المهم أن نربط جهودنا الوطنية بهذه الاتفاقيات، لنحصل على دعم دولي في مواجهة سرقة الآثار أو تهويد المواقع، وتسجيل المواقع التراثية والزي الفلسطيني ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو، لضمان اعتراف عالمي رسمي بالرواية الفلسطينية.

 

ويشدد على الملاحقة القانونية على المستوى الدولي لأي جهة تعرض التراث الفلسطيني من سرقة أو تزيف تاريخي، وهذا يتطلب إنشاء فرق قانونية متخصصة، ودور المؤسسات والمجتمع المدني (حراس الإرث على الأرض)، فالمؤسسات الثقافية والجمعيات الأهلية تتحمل مسؤولية لا تقل عن دور الحكومات. 

فهي الأقرب للناس والأقدر على تحريك الوعي الشعبي وهم خط الدفاع الأول عن التراث، والجمعيات المتخصصة بالتراث تنظم معارض، مهرجانات، وورشا تدريبية لتعريف الجيل الجديد بقيمة التراث والزي الفلسطيني، حتى أدرج يوم مختص بالزي على المستوى العالمي، والمجتمع المدني قادر على بناء شبكات ضغط محلية ودولية ضد محاولات التزوير والسرقة.


كذلك، فإن المبادرات الشبابية تشكل طاقة حيوية في معركة الوعي، سواء عبر ورش تعليمية أو عبر مبادرات على وسائل التواصل الاجتماعي.


ومن الأهمية بمكان؛ زراعة الهوية التراثية في وعي الأجيال، فنحن لا نستطيع حماية ما نعلم به لهذا يجب أن نعلم وننقل إلى الأجيال الناشئة منذ الصغر عن التراث وأن يكون جزءًا من العملية الدراسية والتعلمية، ودمج التراث الفلسطيني ضمن المناهج التعلمية والمساقات الاجبارية بصفته جزءًا أساسيًّا من الهوية الفلسطينية.. 

 

مع ممارسة ميدانية في العملية التعلمية من زيارات وتعرف على الآثار وتنظيم لقاءات وورش عمل للحرف اليدوية، ودعم البحث العلمي والرسائل الأكاديمية التي تتحدث عن التراث والعمل على نشرها في المجلات العلمية.


وأشار الدكتور عزام أبو سلامة إلى ضرورة الحماية الاقتصادية من خلال السياحة الثقافية، فيمكن أن يكون التراث غاية اقتصادية تعمل على دعم الاقتصاد المحلي والوطني لتنمية المستدامة، من خلال تنظيم البرامج السياحية الثقافية التي تقدم فرصة للسائح في ممارسة حية لتراث الفلسطيني من تطريز أو دبكة أو صناعة الأكلات الشعبية..

وتقديم الدعم والمساندة للمشاريع الصغيرة المدرة للدخل وخاصة للحرفين والنساء في الريف والمخيمات، وتسويق المنتجات على الجانب المحلي والعالمي، وأن تقدم فرصة للمجتمع أن هذا الإرث فرصة لهم في تنمية اقتصادية مما يزيد فرص الحرص على الحفاظ عليه، بمعنى إخراج فكرة التراث من الذاكرة إلي غاية للعيش.
 

أما عن الإعلام والرواية الفلسطينية، فإن الصراع على التراث الآن يتوجه بسلاح الإعلام لأن لب الصراع يدور في العالم الرقمي، وللإعلام دور استراتيجي هام، والاهتمام في الدور السينمائي وكافة البرامج الإعلامية التي تتحدث عن رواية التراث الفلسطيني.. 

ولأهمية الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي ولإثرها الكبير في الترويج وإطلاق حمالات إعلامية، فيجب تنظيم ورش تدريب شبابية لاستخدام الرقمية لنشر وتوثيق المحتوى التراثي لمواجه الرواية الصهيونية، مع الحفاظ على التراث في الخارج..

وهذا دور الجاليات والفلسطينيين في الخارج فهم سفراء فلسطين لتراث في العالم، فهم قوة لحماية التراث، ولذا عليهم إحياء المناسبات الوطنية من مهرجانات وفعاليات تقدم التراث الفلسطيني من أزياء وأهازيج واكلات، وهي رسالة سياسية تثبت أن التراث الفلسطيني موجود وحاضر، وتسويق المنتج التراثي المحلي من خلال حفظي التراث في الخارج.

 وفي النهاية، لا يعد الحفاظ التراث الفلسطيني رفاهية ثقافية إنما هو معركة وواجب وطني، فالإرث التراثي من ثوب مطرز وكوفية وأغنية وكل قطعة وحجر ورتبة وشجر هي صك ملكية لثبات وجودنا على أرضنا.