فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

ازاي يا حكومة؟

سؤال يتردد في صدور الناس، لا ككلمة عابرة بل كصرخة ممتلئة بالدهشة والوجع. كيف تُشجَّع الأسر المصرية على التحول إلى السيارات الكهربائية باعتبارها المستقبل الأخضر، ثم تُفاجَأ باعتزامها زيادة أسعار الشحن وهو ما يجعل الفكرة عبئًا بدل أن تكون حافزًا؟ 

وكيف يُرفع شعار دعم الصناعة الوطنية، بينما تتضاعف أسعار الأراضي الصناعية بنسبة 250%، فتتحول الطموحات إلى أرقام مستحيلة؟ وكيف يُعلن عن حرب شرسة على التضخم، ويخفض البنك المركزي أسعار الفائدة ليحفّز الاستثمار، ثم تأتي الحكومة بقرارات رفع أسعار البنزين والكهرباء، فتبتلع كل أثر إيجابي كان مرجوًّا من سياسات التيسير النقدي؟
 

المفارقة أن هذه التناقضات لا تحدث في فراغ، فالعالم من حولنا مليء بتجارب بدأت ظروفها أشد قسوة من واقعنا، لكنها نجحت لأنها آمنت بالاتساق بين السياسات. كوريا الجنوبية، مثلًا، خرجت من حروب ومجاعات، لكنها اختارت أن تدعم الصناعة لا أن تثقلها، وأن تستثمر في الطاقة الرخيصة لا أن تحولها إلى قيد على المنتج والمستهلك. 

 

في سبعينيات القرن الماضي كانت كوريا أشد فقرًا من مصر، واليوم اقتصادها يتجاوز 1.7 تريليون دولار، فيما نصيب الفرد من الناتج المحلي يزيد على 30 ألف دولار، بينما لا يزال نصيب الفرد المصري أقل من أربعة آلاف. الأمر ليس قدَرًا ولا لعنة جغرافيا، بل هو حصاد سياسات متناسقة وطويلة النفس.


حتى في أوروبا التي تعاني من أزمات الطاقة، لجأت الحكومات إلى تخفيض أسعار الكهرباء والوقود لتخفيف التضخم، فتمكّنت ألمانيا مثلًا من تثبيت التضخم عند حدود 2.2% بعد خفض أسعار الطاقة، وهو ما مهّد الطريق لتقليل أسعار الفائدة بشكل فعلي يخدم الاستثمار. أما عندنا، فالتناقض يضرب كل محاولة إصلاح: حوافز تُعلن صباحًا، وقرارات تثقل الكاهل مساءً، حتى بات المستثمر والمستهلك سواءً في حيرة لا تقل عن ضيق ذات اليد.

ليس المطلوب معجزات، بل رؤية متسقة تُراعي أن ثقة المواطن والمستثمر لا تُبنى بالكلمات بل بالسياسات التي تتناغم لا تتصادم. "إزاي" ليست مجرد عتاب، بل إنذار بأن الثقة تُستنزَف مع كل تناقض جديد، وأن الطريق إلى النمو لا يُعبَّد بالضرائب والزيادات، بل بالثبات والوضوح والعدالة في توزيع الأعباء. فهل تسمع الحكومة صيحات المخلصين الراجين لهذا البلد خيرا وصلاحا واستقرار؟!