220 يوم.. حين يكتب الزمن روايته الأخيرة
قدم مسلسل «220 يوم» نفسه كعمل مختلف عن السائد في الدراما العربية، لم يكن مجرد قصة حب رومانسية تقليدية، بل كان محاولة جريئة للغوص في أعماق المشاعر الإنسانية، ومساءلة العلاقة المعقدة بين الإنسان والزمن والأمل، ونجح في أن يكون حديث الجمهور والنقاد معا سواء بالمدح أو بالانتقاد.
القصة التي كتبها محمود زهران وشارك في صياغة السيناريو والحوار سمر بهجت ونادين نادر، تقوم على مفارقة إنسانية موجعة.. الكاتب أحمد فضل يكتشف إصابته بورم خطير في المخ، بينما زوجته مريم تكتشف في التوقيت ذاته أنها حامل بطفلهما الأول..
ما يفصل بين الحدثين هو 220 يوما فقط، وهي المدة التي ستعيش فيها الشخصيات تحت وطأة القلق والصراع النفسي بين قدوم حياة جديدة ورحيل محتمل، هنا يصبح المرض والزمن هما العدو الحقيقي لا خصم خارجي كما جرت العادة في الدراما.
هذا الاختيار أعطى القصة عمقا وواقعية، لكنه في المقابل جعل إيقاع الحلقات الأولى بطيئا بالنسبة للبعض، ما دفع بعض النقاد لوصف البداية بأنها تمهيد طويل بلا أحداث جوهرية.
الإخراج الذي تولاه كريم العدل حمل بصمة بصرية وشعورية واضحة، التنقل بين عالم الواقع وعالم الرواية التي يكتبها أحمد كان يتم بسلاسة لافتة عبر تفاصيل دقيقة في الإضاءة والألوان، مدعوما بموسيقى تامر كروان التي منحت المشاهد عمقا إضافيا في لحظات التوتر أو الأمل.
العدل حرص على أن يبقى المشاهد مندمجا رغم بطء الإيقاع، واختار أن يعتمد على الحركة الذكية للكاميرا لتوجيه الانتباه إلى التفاصيل الصغيرة التي تحمل معان كبيرة.
أما على مستوى الأداء التمثيلي، فقد كان لكريم فهمي نصيب كبير من الضوء، فقدم شخصية الكاتب بجدية واضحة، حتى إنه غير مظهره جذريا لحاجات الدور، إلا أن أداءه أثار انقساما فبينما رأى البعض أنه وصل إلى مرحلة نضج فني، اعتبر آخرون أن أداءه بارد ومصطنع.. غير أنني أراه أنضج أدواره في مشواره.
في المقابل جسدت صبا مبارك دور مريم، بمزيج من مشاعر القلق والحب والتماسك في آن واحد بصدق كبير، خصوصا في المشاهد التي كانت تحاول أن تطمئن زوجها بابتسامة تخفي خلفها خوفا دفينا. الكيمياء بين فهمي وصبا، والتي أعادت للأذهان شراكتهما السابقة في «حكايات بنات»، أضافت للعمل دفئا وعمقا جعل القصة أكثر إقناعا.
النهاية كانت واحدة من أكثر عناصر المسلسل إثارة للجدل، فقد اختار صناع العمل نهاية مفتوحة، يظهر فيها أحمد في عمر متقدم وهو يعلن جملة مفتاحية «اليأس يجلب موتا والأمل يمنح حياة وأنت من يختار النهاية» هذه الخاتمة أثارت نقاشا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي..
حيث انقسم الجمهور بين من اعتبرها رسالة قوية تدعو للتأمل، ومن رأى أنها غامضة وغير مرضية، لكن في النهاية تحقق الغرض الأساسي وهو استمرار الحديث عن العمل حتى بعد إسدال الستار على حلقاته.
يمكن القول إن «220 يوم» ليس عملا مثاليا لكنه بالتأكيد تجربة تستحق المشاهدة، قوته تكمن في قصته الإنسانية المؤثرة، وفي سيناريو إعتمد على الصراع الداخلي بدلا من المواجهات التقليدية، إخراجه جاء حساسا ومدروسا، وأداء أبطاله رفع من قيمة العمل، لكن في المقابل عانى المسلسل من بطء ملحوظ في البداية، ومن نمطية في تقديم شخصية البطل، فضلا عن نهاية مثيرة للانقسام.
وفي المحصلة النهائية يمكن القول إن «220 يوم» ليس مجرد دراما رومانسية بل عمل يقدم كدرس عن الأمل في مواجهة الخوف، وهو تجربة مختلفة في الدراما قد لا تناسب الجميع لكنها بلا شك ستترك أثرا عند من يتأملها.