المستشارون الإعلاميون.. سمك لبن تمر هندي
لم تحظَ وزارة في تاريخ مصر بحصانة وحماية نادرتين مثلما حظيت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي؛ حصانة ضد النقد، وحماية من أن تنالها أقلام الكُتّاب تعليقًا أو تصحيحًا أو رفضًا لبعض قراراتها، ولم تُحَط وزارة بسورٍ حديدي حال بينها وبين الصحفيين والكُتّاب مثلما أُحيطت تلك الحكومة.
المتحدثون بأسماء الوزارات والمستشارون الإعلاميون فهموا دورهم على نحو خاطئ، فأصبحوا سورًا واقيًا بين الصحفي ومصدره، سواء كان وزيرًا أو غفيرًا، وعاش الوزراء والمسئولون في بحبوحة من العتمة، فصارت أوضاعهم كما لو كانوا أنبياء مقدسين لا يجوز تناولهم أو حتى التواصل معهم.
مسئول برلماني كبير شكا لرئيس تحرير أن صحفيًا حاول الاتصال به، وهو أمر، لو تعلمون، عظيم!! فما كان من رئيس التحرير إلا توبيخ المحرر وتهديده بإحالته للتحقيق، والتهمة: محاولة الاتصال بمصدره -أي والله- رغم أنه يجب إحالته للتحقيق ولومه مهنيًا إذا لم يتواصل مع مصادر معلوماته، ومنها أعلى رأس في البرلمان.
مستشار إعلامي يُصر على وضع اسمه داخل كل بيان يصدر عن الوزارة التي يعمل بها، فيبدأ بيانه بأن الوزير اجتمع مع فلان أو علّان بحضور السيد المستشار الإعلامي، وقد أراد أن يفرض على محرري الوزارة نشر البيان كما هو، وللأسف الشديد تقع بعض المؤسسات الصحفية في هذا الخطأ.
مستشار إعلامي آخر شكا لي أن زميلنا المكلّف بتغطية أنشطة هذه الوزارة يحاول الاتصال بالوزير دون استئذان المستشار، مؤكدًا أن هذا ممنوع، وأنه لا يجوز للصحفي التواصل مع أي مصدر داخل الوزارة، وليس أمامه سوى نشر البيان الذي يصله على الواتساب أو الإيميل.
ذات مرة هاتفني مسئول إعلامي بوزارة مهمة متسائلًا: هل يجوز نشر خبر عن وزارته دون الرجوع إليه؟ كان جوابي أن الرجوع إليه لا يكون إلا لتأكيد معلومة، أما فكرة الاستئذان في النشر من عدمه فتُعد جريمة، لو فعلها الصحفي لأحلناه للتحقيق!
الأمثلة كثيرة على انحراف في الأداء الوظيفي، لم ينجُ منها إلا ثلاثة:
أولهم الأستاذ مدحت وهبة، المستشار الإعلامي لصندوق مكافحة الإدمان، مدحت واحد من الصحفيين القلائل الذين فهموا دورهم جيدًا؛ يُتيح المعلومات، ويُجيب على الأسئلة، ويُقدّم مصادره وأرقامها بشكل فعّال، وهو حاضر طوال النهار والليل، لا يكل ولا يمل.
ثانيهم الزميل هاني يونس، المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء، الذي يمتلك خبرة كبيرة في إدارة هذا الملف، ولديه قدرات خاصة على المتابعة، وإتاحة المعلومات، والرد على ما يُنشر توضيحًا وتصحيحًا، متفاعل إلى حد كبير، ويدرك أبعاد وأهمية دوره بشكل كبير.
ثالثهم هو الأستاذ أحمد إبراهيم، الذي شغل موقع المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة، والذي لم يُجدد له دون معرفة الأسباب، أحمد إبراهيم واحد من أهم المستشارين الإعلاميين في السنوات القليلة الماضية، ترك بصمة مضيئة في وزارة النقل مع الدكتور سعد الجيوشي، وحفر اسمه من نور مع الدكتورة سحر نصر في وزارة الاستثمار، وأدى أداءً باهرًا في وزارة الزراعة، ومع قدوم السيد أيمن فاروق وزير الزراعة، لم يُجدد له دون إبداء الأسباب..
ما دون ذلك، موظفون لا يعرفون أن إتاحة المعلومة هي روح العمل الإعلامي، وأن غيابها أو تغييبها لا يخدم إلا الجماعة الإرهابية، وأن دوره في الحيلولة بين الصحفيين ومصادرهم لا يعني إلا انتصار الشائعات التي تتغذى عليها جماعة الإخوان، وكل من أراد لهذا البلد سوءًا.
المثير أن أحدًا لا يراقب أداء هؤلاء، فكانت النتيجة أن يعقد الرئيس شخصيًا اجتماعًا مع رئيس الوزراء، ورئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ويُطالب بضرورة فتح الأبواب المغلقة أمام الصحفيين والإعلاميين لمواجهة الشائعات.
الأكثر إثارة أن بعضهم تصور أنه أهم من الوزير، وسلب سلطات كبار الخبراء والمسئولين في وزارته ليصبح هو الآمر الناهي، والنتيجة الطبيعية لتكلّس هؤلاء وجهل بعضهم: فقدان الجماهير الثقة في الأداء الحكومي برمّته، هذا إن كان لدى الحكومة أداءٌ من الأصل، أما المستشارون فليسوا إلا لبن سمك تمر هندي!