فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

هل نحلم أن نشاهد في عالمنا العربي رئيسًا كان ممثلًا؟!

تناولت في أكثر من مقال سابق التاريخ الطويل للعلاقة بين الفنانين والحكام في عالمنا العربي على مر العصور، والتي تتخذ في أغلبها عدة أشكال من الدعم سواء بإعلان التأييد والمناصرة بشكل مباشر وصريح أو غير مباشر من خلال عمل فني، أغنية في المقام الأول وهذا الأكثر شيوعًا، أو فيلم سينمائي بدرجة أقل، أو من خلال وسائل الإعلام بكافة أنواعها أو السوشيال ميديا التي صارت قوة فعالة جدا للتأثير على الرأي العام خلال السنوات الأخيرة.


وكان من النادر جدا أن نجد فنانين يسيرون عكس الاتجاه السائد في موالاة الحكام ويرفضون ذلك، بل ويعبرون بكل جرأة عن معارضتهم ومناهضتهم لهم ولسياساتهم عن طريق آراء وتصريحات جريئة أو أعمال فنية، ولا يعبئون بالكلفة الباهظة التي سيدفعونها من مخاطر ومصاعب وأزمات، وذلك عكس ما نراه منذ زمن بعيد في أوروبا والولايات المتحدة والدول المتقدمة.

الحاكم ليس فوق القانون

في الدول الغربية والعالم الحر المتقدم، الرئيس أو الحاكم ليس فوق القانون، بل هو مواطن عادي يتقلد منصب مهم لقترة محددة ومعروفة، عليه فيها أن يجتهد لخدمة الناس ورعاية مصالحهم ويكون مستعدا تماما لتقبل أي انتقادات منهم في أي وقت ولأي سبب، والأمثلة على ذلك عديدة خاصةً في الولايات المتحدة منذ تأسيسها، فالرؤساء في مرمى نيران الناس والإعلام طوال الوقت.


ولعل نيكسون وكارتر وكلينتون وترامب من أكثر هؤلاء الرؤساء تعرضًا للانتقادات، فترامب كان في ولايته الأولي ومازال منذ بداية دورته الثانية قبل 7 أشهر يتعرض لسيل من الانتقادات والتي وصلت إلى حد التجريح من بعض نجوم هوليوود، مثل روبرت دي نيرو وبراد بيت وجورج كلوني وتايلور سويفت، بل شاهدنا بعض النجوم أيضا كانوا قد أعلنوا أنهم سيغادرون البلاد في حالة وصول ترامب إلى البيت الأبيض مرة ثانية.


وفي تصوري أنه يبدو ضربًا من الخيال والأحلام في عالمنا العربي أن يأتي يوما نجد فيه ممثل أو إعلامي على كرسي الرئاسة والحكم على غرار الرئيس الأمريكي الراحل ريجان والحالي ترامب والرئيس الأوكراني فلودومير زلينيسكي والفلبيني جوزيف سترادا والجواتيمالي جيمي موراليس.

جمال سليمان

أثار ومازال إعادة تصريح الفنان السوري الكبير جمال سليمان من وقت لآخر، عن تفكيره في الترشح لرئاسة سوريا بعد انتهاء الفترة الحالية للرئيس الانتقالي أحمد الشرع في عام 2030 
جدلًا واسعا وانقساما شديدا محليا وعربيا وعالميًا وإن  كان سليمان قد أطلق هذا التصريح قبل 5 سنوات وقت حكم  الهارب بشار الأسد.

 
وجعلنا هذا التصريح نعيد أيضًا طرح سؤال تبدو إجابته معروفة للجميع من الوهلة الأولى، ولكن لا مناص من طرحه مجددا والذهاب إلى أقصى درجات الخيال والأحلام، وهو هل من الممكن أن نشاهد في القريب بإحدى دولنا العربية فنانًا يصل إلى سدة الحكم، مثلما حدث في الولايات المتحدة وأوكرانيا والفلبين وجواتيمالا والأخيرتين من الدول النامية مثلنا.


وهل من الوارد أن يكون هذا الفنان هو النجم السوري جمال سليمان على وجه الخصوص؟ بعدما أعلن كثيرا عن نيته في ذلك وأنه سيعود قريبًا إلى سوريا؟! وهو ما خلف ومازال حالة من الجدل والانقسام حول ذلك خاصةً بين السوريين من مختلف الأطياف والأعمار والتوجهات، فمنهم من عبر عن رفضه واستنكاره لتصريحات سليمان واعتبره من فلول النظام السابق كونه ينتمي لنفس طائفة الأسد الهارب العلوية.

ومنهم من رأى فيه شخص مقبول متعدد الانتماءات والده علويا ووالدته سنية، ولا ينضوي تحت مظلة أي حزب أو تجمع أو قوة من القوى الحالية المتعددة على الساحة السورية.


ومعروفا أن الفنان جمال سليمان كان مواليا لنظام الأسد الإبن ومتحمسا له في بداية حكمه ومشروعه الإصلاحي عام 2000، قبل تحوله لمعارض شديد له وانضمامه للائتلاف السوري للمعارضة الذي شكل في أعقاب أحداث ما يطلق عليه خطئا الربيع العربي 2011، وكانت نتيجة ذلك شطب عضويته بنقابة الفنانين السوريين، ثم انفصل عن تجمع المعارضة وطرح نفسه كمعارض مستقل.

مشاركة سياسية محدودة

وأعاد أيضا تصريح الفنان جمال سليمان عن اعتزامه الترشح لرئاسة سوريا الحديث من جديد عن العلاقة بين الفن والفنانين والسياسة، والتي تبدو أكثر وضوحا وعمقا وأثرا وتأثيرًا متبادلا في الولايات المتحدة وأوروبا والدول المتقدمة من نظيرتها بوطننا العربي.. 

حيث أن الظروف والأجواء المحيطة والتاريخ والثقافة المجتمعية، تتيح مساحات واسعة من الحرية وتقبل الآخر والنقد الذي قد يصل إلى حد التجريح والتشويه، دون أن يتم معاقبة الفنان بمنع عرض أعماله أو إقامة حفلاته أو نشر أخباره في الصحافة أو شطب عضويته في نقابته، أو إيذائه معنويا أو ماديا وجعله يدفع فاتورة مواقفه السياسية غاليا، مثلما حدث ويحدث في بلادنا العربية منذ بداية الفن عندنا حتى الآن.


وفي مصرنا الحبيبة اقتصرت المشاركة السياسية للفنانين على مشاركة محدودة مباشرة في المجالس النيابية، سواء مجلس الأمة مثل حسين صدقي الذي انتخب عضوا به عام 1961، وحمدي أحمد الذي صار عضوًا بمجلس الشعب عن دائرة بولاق عام 1987، أو عن طريق التعيين بمجلس الشورى مثل محمود المليجي، محمد عبد الوهاب، مديحة يسري، آمينة رزق، فمجلس الشيوخ الحالي المنتهية ولايته كيحيى الفخراني وسميرة عبدالعزيز.


وأخيرًا أرى أننا مازلنا بعيدين في عالمنا العربي عن مجرد تصور فكرة أن يأتي يوم يترشح فيه فنان لمنصب الرئيس ويفوز، لعوامل عديدة ذكرنا بعضها والبعض الآخر يحتاج إلى عشرات المقالات، ولكن هذا ليس معناه ألا يحلم الفنان جمال سليمان ويحلم معه غيره من الفنانين في بلادنا العربية ذات الحلم، فالأحلام غالبًا لا تتحقق إلا إذا كانت رؤى!