فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

أن تكون عربيا.. اخجل

أفضل قراءة الطبعة الأولى من الصحف ليلًا، وعندما تودع عقارب الساعة الثانية عشرة أحاول أن أخلد إلى نوم عميق، ومن أجل ذلك أتبع حمية خاصة فى القراءة، أستلم كتابًا قديمًا بعيدًا عن السياسة فى محاولة عبثية للخروج من دائرة الأخبار الجهنمية.

 

كتيب صغير عن عادات العرب قديمًا، صافحته يداي، وبدأت فى القراءة: للعرب خصال عشرة، الصدق، والوفاء بالوعد، والأمانة عند الائتمان، ومداراة الناس، ورد الجميل، وإكرام الضيف، وحسن الجوار، وإغاثة الملهوف، وإجارة المستجير، والشجاعة والإقدام.

 

بدا لى للوهلة الأولى أنى أقرأ عن عالم الديناصورات المنقرضة، أو عن كائنات ملائكية كانت ولم يعد لها وجود، وكأنى أستعيد ما كانت جدتى تضحك علينا به عندما تؤكد أننا كنا نعيش جيرانًا فى بيوت بعضنا بعضًا، وكانوا يأكلون مع بعضهم بعضًا، وكان الجار كصاحب بيت.

 

كنت للتو قد انتهيت من قراءة بيانات عربية تشجب وتدين وتولول، وتدعو العدو الصهيونى للتوقف عن إلقاء قنابله على أطفال غزة، وأن يتوقفوا عن هدم مستشفيات طهران، وعن وقف هجماتهم على سوريا، وعن ضرورة ضبط النفس فى حربهم على لبنان.

 

ولم أقرأ سطرًا واحدًا عن جيش عربى يتحرك، ولا عن فارس حتى يمتطى جواده صونًا لعرض امرأة فلسطينية تصرخ لأهلها فى عالمنا العربى أن يرسلوا لها رغيف خبز أو كأس حليب لوليد يحتضر جوعًا بسبب حصار أصدقائهم فى تل أبيب.

 

ولم أقرأ سطرًا رسميًا عن عاصمة عربية قرر أهلها كسر الحصار المفروض على أهلنا فى غزة، ولم أقرأ تصريحًا لرجل دولة يقول إن بلاده قد تخوض حربًا لإغاثة المعتدى عليهم فى طهران، باعتبارهم جيرانًا أو أهلنا فى الدين أو شركاء لمنطقتنا فى السراء والضراء.

 

استجارتنا بناتنا فى فلسطين فلم نكن لهن مجبرين، واستجارتنا جارتنا إيران فلم نكن لها مساندين، وائتمننا التاريخ على القدس فلم نكن أمناء عليه ولا على أهله، وفرض علينا القتال فلم نكن أهلًا له، هربنا من الميادين، ومنحنا الأعداء قواعد عسكرية يعتدون منها علينا.

 

عن أى عرب يتحدث مؤلف الكتيب الذى بين يدي؟ 

 

رئيس عصابة العالم المخرف دونالد ترامب يهدد أمننا المائي، وعواصم عربية جارة وغير جارة تمول سدًا بُنى خصيصًا لقتلنا عطشًا، ونفس المخرب يمارس إدارة العالم بمنطق زعماء العصابات، ونحن نمهد له الطريق لضرب جارتنا إيران.. عن أى عرب يُحادثنى مؤلف الكتيب الصغير؟

 

يصف الكتيب عربه بالصدق، وأنا أقرأ بيانات رسمية من عواصم عربية تندد بما تفعله أمريكا وقصفها مفاعلات إيران النووية السلمية، وذات العاصمة دفعت ثمن كل الدانات التى تسقط على أهلنا فى طهران، وأقرأ عن زعيم يقف زاعقًا بين جماهيره ضد العدوان الصهيونى على إيران، ودفاعاته تسقط صواريخ إيران حتى لا تسقط على العدو فى الأرض المحتلة.. عن أى صدق يتمتم كتيبى الصغير؟

 

مداراة الناس.. نعم، فى منطقتنا العربية يلاطف الناس بعضهم بعضًا، ودليلى ما تطالعه عيناى كل صباح من سباب بين شعوب عربية بسبب مباراة لكرة القدم.. نعم نلاطف بعضنا بعضًا، ونصف بعضنا بعضًا بالمتسولين والجبناء والمستسلمين والخونة.. تلك هى ملاطفاتنا لبعضنا بعضًا.

 

أما عن الشجاعة والإقدام فحدث ولا حرج، فقد انحصرت شجاعتنا فى التآمر على بعضنا بعضًا، والكيد لبعضنا بعضًا، والاستعانة بالأمريكان والصهاينة لقتل بعضنا بعضًا، وإلا فمن الذى فرط فى بغداد، وسلم دمشق، وأحرق طرابلس، وكبل بيروت، وحاصر طهران؟

لم يدفع معتد علينا ثمن دانة واحدة ألقاها علينا، دفعناها من جيوب فقرائنا وحسابات أمرائنا، وكنا الأرض التى انطلقت منها كل صواريخ العدو على عواصمنا، وكنا المدد والمداد لبنى صهيون لإسقاط بلادنا فى مستنقع الفوضى.. أكلنا بعضنا بعضًا، ولا يزال بعضنا يعيش وهم شيم العرب وعاداتهم!