فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

رُبان وسفينة تغرق

في التاريخ قصص مكررة، تبلغ حد الدهشة في بساطتها، ومدلولاتها، ومآلات أحداثها، ونهاياتها، وإذا كان البعض يرى أن التاريخ يعيد نفسه، فإن ما يجب طرحه يدور حول أبطال هذه القصص الذين يصرون على إعادة نفس السيناريو وانتظار نتائج مخالفة لما جرى.

على صفحات الماضي قصص لربابنة -جمع رُبان- أداروا سفنهم بطريقة الواحد الأحد الذي لا شريك له، أراد بعضهم أن يكون الكل في الكل، وبدلًا من إسناد الأمر إلى أهله تغولوا على الآخرين، فلم تكن النتيجة وصولًا إلى محطة أو رسوًا على بر.

أراد بعضهم أن يكون القائد والملاح والمجدف والمتحكم في صيرورة الأمر واتجاه السفينة وصاحب قرار الإبحار والتوقف، والمتحكم في تفاصيل الأمر كله، أبسطه وأعقده، قليله وكثيره، فلم تكن النتيجة في كل الحالات إلا كوارث وكبوات ومتاهات في عتمة بحور ليس لها كبير.

فُقدت السفن أو ضاعت أو غرقت، وضاع كل من عليها وأولهم الربابنة، ولم تتبقَّ لنا إلا سطور تحكي المآسي، قصص دامية ونهايات تحمل من المواعظ والحكم، ما يجعل غيرهم لا يقعون فيما وقعوا فيه، غير أن التاريخ لا يزال يتكرر ويعيد نفسه.

وأبطال الروايات السوداء لا يزالون يعيدون نفس السيناريوهات ويبحرون بقرار فردي، ويلغون كل من حولهم، ويتحكمون في أدق التفاصيل، يفتحون أفواههم لإصدار الأوامر، ويغلقون آذانهم عن الإنصات، فتقع المأساة بنفس وتيرة المفاجأة التي وقعت في قصص الأولين.

وكم من سفينة غرقت بما حملت، غير أن أسوأ ما كانت تحمل هو القبطان الذي قاد وفق أوهام وخيالات، وعندما بدا أن الموج أعتى من عقل مغلق كان قراره بالقفز أولًا، إنقاذًا لنفسه، فلم يجد إلا حيتان البحر تطعم جوعها بلحمه، ويتلون البحر بدمه.

في بعض التفاصيل المكررة يلقي القبطان بحارته أولًا، غير أن النهاية المحتومة هو الغرق وليس شيئًا غير الغرق، حتى لو جاء بعد مواجهات مع الموت الذي ينتظر اختطاف أرواح من صمتوا قبل من دعموا.