رئيس التحرير
عصام كامل

«القومي للإعاقة» بمعرض الكتاب.. إبداع من رحم المعاناة

فيتو

حينما تعبر البوابة الإلكترونية المؤدية إلى بلازا 2 في القاعة رقم 4 بمركز مصر للمعارض والمؤتمرات بالقاهرة الجديدة، حيث تقام فعاليات الدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، لزاما عليك أن تمر بنظرة سريعة وخاطفة بهذا الركن الذي يحمل رائحة ومذاقا خاصين يميزانه عن بقية أجنحة المعرض التي تقدر بالعشرات.


رسوم مزخرفة ومصنوعات يدوية وإكسسوارات صممت بعناية فائقة قد لا تصدق للوهلة الأولى أن الأبطال الحقيقيين وراء هذه الأشكال والرسوم البديعة، هم بضعة أفراد قُدر لهم أو يولدوا بعيب خلقي يرافقهم طوال مسيرة حياة قد تمتد أو تقصر، فمن رحم الإعاقة البصرية والسمعية وإعاقة اليد وغيرها، ولد إبداع أبناء جناح "المجلس القومي لشئون الإعاقة" في معرض القاهرة الدولي للكتاب.


ما من أحد يدخل مبنى 4 إلا وتبحث عيناه عن الركن ذاته، فإما أنه تم إبلاغه من أحد أقاربه، أو دفعه الفضول إلى اكتشاف الأجنحة الفريدة والمؤثرة بعد جولة شاقة في أروقة المعرض وبين دور النشر المختلفة، "أنا كنت في دار نشر جنب المبنى وسمعت حد بيتكلم إن ذوي الاحتياجات الخاصة ليهم جناح وعاملين حاجات هاند ميد بنفسهم وفضلت أكون موجودة لو مشترتش أديني بشجعهم بابتسامة أو كلمة طيبة"، تمسك الثلاثينية حنان بطوق مصنوع من الحباب اللؤلؤ الأبيض وطبق من الخزف تسأل السيدة المسئولة عن الترويج للمنتجات عن سعرهما، ومن صنعهما ولأي فئة عمرية ينتمي.

هال "حنان" ما سمعته بأن من صنعت الطوق اللؤلؤي هي شابة عشرينية مصابة بإعاقة في إحدى يديها، "يمكن فيه ناس بكامل صحتها متقدرش تصنع حاجة بالجمال ده"، 80 جنيه كان سعر الطوق والطبق، كنوع من المشاركة الوجدانية قررت السيدة أخيرا شراء الطوق.


"كل اللي موجود في الجناح الخاص بنا من منتجات تراثية وثقافية ومصنوعات يدوية، مصنوعة بإيدين أشخاص ذوي إعاقة، فمثلا الخوص مصنوع على يد عشرات الفتيات الكفيفات المنتميات لمدرسة النور والأمل لرعاية الكفيفات، أيضا الإكسسوارات والمصنوعات الجلدية، صنعها أطفال مصابون بالتوحد ومجموعة من الصُم"، من فوق كرسي متحرك وعلى بعد مسافة قصيرة من الجناح تجلس "رشا إرنست" إحدى المشرفات على مبادرة المجلس القومي لشئون الإعاقة، تباشر عملية البيع والشراء.

وبابتسامة هادئة تستقبل "رشا" زبائنها والزوار على مدار اليوم، "فيه تنوع في المنتجات كذلك تنوع في أنواع الإعاقات، طول السنة الأولاد والشباب والفتيات شغالين على المنتجات دي، استعدادا لطرحها في المعرض، وحبينا نخليهم يشاركوا في أكبر تجمع فكري وثقافي في مصر".


على يسار رشا إرنست تتراص مجموعة من الكتيبات الصغيرة ذات الأغلفة الصفراء والزرقاء، ممهورة بعبارة "الكتابة على طريقة برايل"، أذكار الصباح والمساء، طرق العناية بالبشرة، مقتطفات من أحاديث الشيخ الشعراوي، روايات الخميائي وغيرهم من الموضوعات الأدبية والثقافية المتنوعة، منقوشة بطريقة برايل للمكفوفين، عكف العشرات من الفتيات على نسخها في معهد النور والأمل منذ عدة أشهر، "إحنا لنا جناح فرعي خاص فقط بالأدب العربي والعالمي المنسوخ بطريقة برايل".

اللحظات التي يقضيها الفرد بين دفتي إحدى الروايات أو الكتب حيث يجد ضالته ويفرغ رأسه مما امتلأت به من مشكلات وضغوط حياتية يومية، حق طبيعي وكان لابد أن يكتسبه ذوو الإعاقة البصرية أيضا، فها هو أحد الزوار تصطحبه والدته نحو الرف المخصص لروايات الأدب العالمي، يبحث عن رواية لطالما أراد قراءتها ولم يستطع بسبب عدم توافرها بنسخة "برايل" فيما سبق.


كلما مر الوقت يتزايد عدد الوفود على جناح ذوي الإعاقة الابتسامة ذاتها تعلو وجه كل من اقترب منه أو سقطت عيناه على شعار الحملة، "قل ولا تقل"، أو ربما يتأمل طويلا وجه العشرينية التي تنهمك في شرح محتويات المعرض على سيدة صماء تريد أن تشتري بعض الإكسسوارات لبناتها، "أنا هنا وظيفتي فقط شرح وتوصيل الفكرة كاملة عن المعرض للزبائن الصم، فيه ناس كتير فرحانة بينا ولو مشترتش بتيجي تشجعنا وده اللي كنا بنسعى له من أول ما وضُعت خطة نزول المعرض بمنتجات ذوي الإعاقة"، تتحدث حسناء مترجمة لغة الصم بالمبادرة.


على بعد أمتار قليلة تتوسط الجناح الخاص ببيع وسائل بصرية وسمعية بخاصية 3D للأطفال ذوي الإعاقات السمعية والبصرية وإعاقات الأطراف، شاشة كبيرة الحجم يقف أمامها بعض الصغار بينما تعرض صورا متحركة توضح أسماء وأشكال أصناف الفاكهة الواحدة تلو الأخرى.

وفي هذا الشأن تقول جنات أحمد المسئولة عن إصدار الجناح: "إحنا عندنا 16 جزء بصري وسمعي بيعالج مشكلات الإعاقة والأطفال غير الأسوياء خاصة في مراحل عمرهم الأولى، ما بين الأفلام الخاصة بمشكلات أعضاء النطق، وتدريبات تنمية الانتباه وجذبه لأطفال التوحد الذي لا يستطيعون التحدث بشكل سوي وطبيعي مع أسرهم، وتدريبات بتعرف الطفل بأنواع وأصناف الفاكهة والخضراوات، حتى لو كان سنه كبيرا لكنه غير سوي يستطيع من خلال مقاطع الفيديو على الأقراص المدمجة أن يحدد هوية كل نوع بسهولة، فيقدر ينمي أسلوب التفكير لديه".
الجريدة الرسمية