رئيس التحرير
عصام كامل

خريطة حروب المياه المحتملة على مستوى العالم .. 47% من سكان العالم سيعيشون فى مناطق خاضعة للإجهاد المائي عام 2030

إجهاد مائى - أرشيفية
إجهاد مائى - أرشيفية
امتد الحديث فى الفترة الأخيرة حول احتمالية اندلاع "حرب مياه" فى المستقبل بسبب الخلافات الكثيرة المتعلقة بمصادر المياه، خاصة بعد أن اشتعلت حدة التصريحات الأيام الماضية بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، وأصبحت كافية لتعيد الحديث من جديد حول ما حذر منه الكثيرون قبل سنوات طويلة.


وهو أن العالم ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على وجه الخصوص باتت على شفا حروب مياه قد تندلع شراراتها فى أي وقت إذا لم يتم إجراء مفاوضات واتفاقيات بين الأطراف المتضررة.

الصراعات المائية
ولم تتوقف تلك المخاوف على سد النهضة فقط ودول المصب الثلاثة، لكن فى أنحاء العالم تدرس كل دولة كيفية الاستعداد لسيناريوهات الصراعات المائية والحوادث الحدودية المرتبطة بالمياه التى تنذر بزعزعة استقرار دولهم والتحول إلى حروب مفتوحة، خاصة أن الأنهار الحدودية وكذلك الآبار الجوية المشتركة التى ترفض الدول تقاسمها تعزز تلك المخاوف.





لذا تسعى تلك الدول إلى بذل الجهود لإدارة إمدادات المياه العذبة داخليًا والحفاظ على اتفاقات المياه العابرة للحدود، تحت وطأة الندرة بالتوازى مع النمو السكانى والاستهلاك وارتفاع درجات الحرارة.

لكن فى ظل عدم وجود اتفاقيات محددة يمكن أن تنهار الثقة بين بعض الأطراف وتزداد مواقف الخصومة التى قد تؤدى إلى استمرار الصراعات الدبلوماسية، وربما إلى نزاع مسلح إذا فشل المسار التفاوضى، فمن المتعارف عليه أن نحو 15% من بلدان الكرة الأرضية يتلقون أكثر من 50% من مياهها من دول أخرى، كما أن اثنين من أصل ثلاثة من الأنهار الكبرى والآبار الجوفية يتم تقاسمهما بين دول عدة لتوزيع المياه بشكل يتناسب مع كافة الأطراف.

حروب المياه
اللواء محمد عبد الواحد، خبير شئون الأمن القومى يرى من جانبه أن الحديث عن حروب المياه أمر ليس بالجديد ولا هو حديث العصر، فسبق أن تم الحديث عن تلك الحروب منذ تسعينيات القرن الماضى حتى أن البنك الدولى بدوره أشرف على ندوات ومبادرات عالمية عدة تحدثت جميعها عن تسعير المياه وعدم اختلافها عن الموارد الاقتصادية الأخرى مثل البترول والثروات الطبيعة التى تخرج من باطن الأرض، ومن ثم بدأ تعميم تلك الفكرة.

وفى نفس الفترة وقعت صفقة مياه بين تركيا وإسرائيل لترسيخ فكرة بيع المياه، ومن هنا بدأ العالم أجمع يتنبأ بصراع المياه خلال المستقبل خاصة مع ندرة المياه فى بعص الدول والنمو السكانى والاستهلاك المتزايد وسط ارتفاع درجات الحرارة.

لذا قامت بعض الدول بعمل دراسات مستقبلية عن نسبة زيادة السكان ونسبة الوصول إلى حالة الفقر المائى، وعلى غرار ذلك بدأت مراكز الدراسات تتنبأ بأن في المستقبل القريب سوف يشهد العالم حرب مياه، ومن المحتمل أن تبدأ بالنموذج الإثيوبى.




سد الأناضول
وأشار خبير شئون الأمن القومى، إلى الدور الذى قامت به تركيا قبل وقت سابق عندما شرعت فى العمل على بناء "سد الأناضول" أو كما يعرف باسم "جنوب شرق الأناضول" ضمن مخططها لمواجهة أزمة ندرة المياه، وذلك من خلال بناء 22 سد على نهرى دجلة والفرات معًا، مستغلة فى الفترة السياسية المتردية فى العراق وقامت ببناء وتشييد أعمال هذا المشروع المكون من 22 سدًّا.

أما عن إيران فهى تمتلك 40 رافدًا على نهر دجلة، وهو ما دفعها لبدأ العمل على تغيير مسارهم وبناء سدود لعدم وصول المياه إلى نهر دجلة، وبالتالى انخفض مستوى مياه نهر دجلة وبدأت تظهر أشياء غريبة وطبيعية على غرار انخفاض مستوى المياه فى نهرى دجلة والفرات إلى جانب تغير المناخ.

وأصبحت البلاد تشهد رياح وأتربة بشكل غير المعتاد نظرًا لأن تقليل المياه يؤثر فى الحالة المناخية، كما أن انخفاض المياه من ناحية أخرى أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة وتعكر صفو المياه وكثرة الطحالب وتلوثها مما جعلها غير صالحة للشرب بنسبة كبيرة.



إسرائيل
وكذلك الحال بالنسبة لإسرائيل وسعيها للسيطرة على مياه المنطقة بالكامل، فإسرائيل منذ فكرة إنشاء دولة وهى تبحث عن التواجد فى أماكن مصادر تواجد المياه، وكل ذلك ليس بمحض الصدفة، فمحاولات إسرائيل للسيطرة على الجولان جاء رغبة فى السيطرة على المياه التى تخرج من سوريا.

أما فى لبنان جاءت تلك الفكرة أيضا رغبة فى التحكم فى المياه التى تخرج من لبنان وخاصة من مزارع شبعة ومنطقة جبل الشيخ التى تغذى نهر الليطانى والوزانى ونهر الأردن أيضا، وليس من الصدفة أيضا أن تخطيط إسرائيل للسيطرة على غور الأردن أملًا فى امتلاك مياهها بالكامل، وما يؤكد ذلك أيضا الإجراءات الصارمة التى تفرضها على الفلسطينيين فيما يتعلق بالمياه الجوفية، فهى تحذر على أي فلسطينى حفر بئر والاستفادة من مياهه الجوفية، كل ذلك يرسخه فكرة الاستيلاء على المياه.

وتابع اللواء محمد عبد الواحد، جاءت إثيوبيا وربما بإيعاز من دول عظمى لكى تنفذ هذا المشروع "سد النهضة" مرة أخرى، وتمنع المياه عن بلاد شهدت حضارة كبرى منذ أكثر 7 آلاف سنة، ويمكن أن نلاحظ أن فكرة حروب المياه أو الاستيلاء عليها جاءت فى بلاد حضارية مثل الحضارة المصرية القديمة وحضارة الرافدين فى بلاد العراق والتواجد الإسرائيلى فى الحضارة الفينيقية فى منطقة الشام بالكامل والسيطرة على المياه جميعها تدل على نوايا جديدة لأزمة مياه مستقبلية.

مصر وسد النهضة
أما عن مصر والسودان بشأن سد النهضة، فالتصريحات بين دول المصب حتى هذه اللحظة تصريحات إعلامية كبيرة جدا، جاءت ردًّا على التصريحات الإثيوبية المستفزة للغاية والتى بدورها تعطى عددًا من الإشارات بسبب لغة الاستعلاء التى تسيطر على الجانب الإثيوبى وترسيخها لمفهوم السيادة الكاملة على النهر، وكأنه نهر إثيوبى خالص وليس نهرًا دوليًّا عابرًا للحدود.

كما أنها ترسخ لأمر واقع وكأن السد سيبنى وسيتم ملؤه بشكل أحادى فى المعاد المحدد حتى وإن لم تنتهِ تلك المفاوضات، مضيفًا: "من الجهة الأخرى بدأت التصريحات تعلو سواء فى السودان ومصر وبات القول بأن كافة السيناريوهات مطروحة، صحيح أن تلك السيناريوهات لم تحدد بعد لكن قد يتم استخدام القوى الناعمة وقد يتم استخدم القوى الصلبة، فمن سياق الحديث نرى أن مصر تأخذ عددا من الإجراءات التصعيدية بدءًا من المفاوضات.

وإن تعثرت فستلجأ إلى الوساطة، وإذا ما تعثرت هى الأخرى فسوف تلجأ إلى التصعيد الدولى واتخاذ إجراءات سياسية أو قانونية من قبل مجلس الأمن أو عملية التحكيم الدولى.

أزمة عالمية
ومن جانبه قال اللواء أركان حرب الدكتور محمد الشهاوى، مستشار كلية القادة والأركان إن حروب المياه أصبحت تهدد الكثير من الدول وعلى سيبيل المثال سد النهضة الإثيوبى الذى يعتبر أن مياه النيل بالنسبة لمصر هى خط أحمر على حد قول الرئيس السيسى بأنه لا يمكن لأى دولة حجز أو استقطاع نقطة مياه واحدة من حصة مصر، وبالتالى هناك تعاون مكثف بين مصر والسودان للتعاون والتنسيق لحل تلك الأزمة باتفاق عاجل وملزم بشأن ملء وتشغيل السد.

وأشار اللواء محمد الشهاوى إلى التدريب الجوى المشترك الذى انتهى الأسبوع الماضى بين مصر والسودان والمعروف باسم "نسور النيل 2"، وذلك للتنسيق وتبادل المعلومات وصقل المهارات للقيام بعمليات ضد الدول التى تهدد الأمن القومى، مؤكدا أن هذه التدريبات رسالة ردع لمن تخيل له نفسه المساس بالمصالح القومية أو بالأمن القومى لكل من مصر والسودان.

حرب الصراع على المياه ربما تكون الحرب القادمة لضمان الأمن المائى للدول المحيطة بالأنهار كون الأمن المائى يعتبر من أهم الأولويات فى المرحلة القادمة، وأصبح الصراع على المياه من العوامل المضافة إلى الوضع فى منطقة الشرق الأوسط.

ويدلل على ذلك الصراع التركى العراقى السورى بسبب مياه دجلة والفرات وإقامة تركيا لعدد من السدود على النهر، ويكفى أن تركيا وسوريا والعراق وإيران، التى تتقاسم حوض نهرى دجلة والفرات، 144 كلم مكعب من مجموع المياه العذبة المخزنة، 60% منها ناتجة عن ضخ المياه من الخزانات الجوفية. خسارة تساوى لوحدها كمية المياه فى البحر الميت.

ونفس الحال لإثيوبيا التى تسعى إلى فرض رؤيتها فيما يتعلق بسد النهضة ومحاولة الاعتداء على الحق التاريخى لمصر والسودان فى حصة نهر النيل. ولعل ما ذكره معهد الدراسات الإستراتيجية بلندن فى عام 1989 بأن الشرق الأوسط سيشهد فى غضون 10 سنوات حربا للسيطرة على مصادر المياه نظرا لزيادة السكان فى تلك المنطقة وزيادة برامج النمو الاقتصادى مع انحسار وتضاؤل كميات المياه المتاحة، وهو ما ينذر بتحطيم الروابط الهشة بين الدول فى المنطقة، فهل الحروب المحتملة خلال السنوات المقبلة معظمها خاص بالمياه؟

النزاعات الحالية
تقول السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشان الأفريقى سابقا إن الحروب المحتملة خلال السنوات المقبلة ستكون بسبب المياه، وهذا أمر تم التنبؤ له منذ سنوات طويلة، وحاليا زاد عدد النزاعات بين الدول التى تجرى فيها المجارى المائية بسبب المياه، ففى أفريقيا مصر وإثيوبيا، وهناك تركيا وسوريا والعراق.

وفي أمريكا الجنوبية أيضا، وبالتالى الصراع القادم سيكون صراعًا على المياه وأهمها منطقة حوض النيل، ليس بسبب نقص المياه لأن نهر النيل يكفى كل الدول الملاصقة له، وإنما بسبب الموقف الإثيوبى وتحديدا قياداته السياسية. وأضافت أن القضية ليست فى وجود أطراف أخرى تحرض للاستفادة من الصراع، ولكن المشكلة فى القائمين على الأمر فى إثيوبيا التى تمارس التعنت وتريد فرض سياسة الأمر الواقع.

وهو ما يضعنا أمام سيناريوهات أبرزها تدخل أطراف أخرى لإحالة الأمر إلى مجلس الأمن، وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على حماية الأمن القومى للدول، خاصة بعد أن أهدرت إثيوبيا كل فرص الحل التفاوضى فى الإصرار على عدم تقديم تنازلات، وبالتالى فرص التفاوض أصبحت لا تقدم جديدًا، خاصة أننا قدمنا العديد من البدائل لحل مشكلة المياه وإثيوبيا ترفض، وبالتالى لم يتبقَّ إلا التصعيد الدولى وفقا للقوانين الدولية.

أما السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق فيرى أن الصراعات القادمة ستكون بالفعل صراعات مياه، وفى أوائل عام 1980 توقع الدكتور بطرس غالى هذا الأمر وقال: إن الفترة القادمة سوف تشهد حروب مياه، ولعل السلوك الإثيوبى فى أزمة سد النهضة سيؤدى إلى مزيد من التوتر فى القارة الأفريقية من خلال محاولة وضع نموذج جديد يخالف القانون الدولى وقانون الأنهار العابرة للحدود، وهو بداية زرع بؤرة توتر فى القارة بين دول حوض النيل ودول القارة بشكل عام لمخالفتهم كافة المواثيق الدولية.

نصف العالم مهدد
وأضاف ضرورة اتخاذ القائمين على هذا الملف سبل التفاهم كاملة، خاصة أن هناك العديد من الأنهار فى أوروبا تمر بعدة دول، وإثيوبيا تمارس الإضرار بالآخرين، وبالتالى هناك مشكلة فى العالم بسبب المياه، خاصة أن التقارير تقول إن 47% من سكان العالم سيعيشون فى مناطق خاضعة للإجهاد المائى عام 2030، وسيكون لندرة المياه فى بعض المناطق القاحلة آثار كبيرة على الهجرة.

وبالتالى الصراع موجود بين تركيا والعراق بسبب نهر دجلة والفرات، وبين تركيا وسوريا، وبين إسرائيل والأردن، هذه كلها بسبب المياه، وبالتالى لا بد من تدخل المجتمع الدولى وتحمل مسئولياته لحل هذه الصراعات قبل أن تنفجر.

وأكد الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن مصطلح حروب المياه المقصود به الصراع على الموارد المائية، وهذا أصبح موجودًا وواضحًا فى الصراعات القائمة بين بعض الدول، منها مصر وإثيوبيا وسوريا والعراق مع تركيا، بل إن هناك دولًا كثيرة ستخسر قدرتها على تأمين الغذاء وإنتاج الطاقة، ما سيضر باقتصادها، على رأسها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الجنوبية، والدول الفقيرة منها ستقع حتمًا فى دائرة الحروب الأهلية، كالسودان، والعراق، وباكستان.

وأضاف عودة أن إثيوبيا ليس من حقها ما تفعله من محاولة الاعتداء على حقوق مصر والسودان من حصة مياه نهر النيل، وهى حقوق تاريخية، وبالتالي الأمر يعد مسألة قانونية يتم الاحتكام فيها للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية