رئيس التحرير
عصام كامل

حلاوة روح


طبعًا لابد أن يظهر في مصر فجأة موضوع تافه يلهي الناس عن القضايا الكبيرة التي تحيط بالبلاد، البلاد تتهيأ لانتخابات رئاسية تقطع الخطوة الثانية في خارطة الطريق، والإرهاب يتجلى كل يوم في أعمال حقيرة، والتظاهرات لا تنقطع يزيدها قانون التظاهر الذي جعل القبض على السلمي والإرهابي سواء، ورائحة الغاز قد تفاجئك في أي مكان.


ويجد رئيس الوزراء لديه الوقت ليصدر قرارا بمنع فيلم "حلاوة روح" حفاظًا على القيم التي ضاعت أصلا بسبب الفقر والظلم والقهر والعشوائيات التي تحيط بالمدن، وحفاظًا على الأصالة التي لا يعرفها أحد الآن، فالاتهامات متبادلة بين الجميع، وبسبب هذه الكلمات المطاطة، الأصالة والقيم، انتفضنا ضد دستور الإخوان حيث أرادوا أن يكونوا هم مرجعية كل سلوك.

ولما جاء الدستور الجديد تم التعدي عليه وضربه من قبل الحكام أكثر من مرة ولا يزال، رئاسة الوزراء تقول إنها لم تر الفيلم لكن جاءتهم شكاوى كثيرة منه وعنه، رغم أن الشكاوى لا تنقطع من غلاء الأسعار ومن انقطاع الكهرباء ومن عدم الأمن في البلاد ومن التحرش الجنسي ومن الانتهاكات الأخلاقية للبنات والنساء بالنهار والليل ومن ارتفاع مصاريف المدارس ومن ومن.

عشرات الأشياء والمظاهر يضج منها الناس ولا أذن تسمع ولا عين ترى الفيلم الذي هو أصلا فيلم تجاري تافه ومسروق من فيلم إيطالي هو فيلم "مالينا" لمونيكا بلوتشي وافقت عليه الرقابة التي هي ممثل للقانون، لكن الحكومة رأت فيه خطرا على أمن البلاد وأمانها ولم تر مثلا في الجيش المصري الحر في ليبيا خطرا ولا في قتل المصريين في ليبيا خطرا ولا في انحدار التعليم الذي وصل بشبابنا إلى هذا الضياع مع الفقر والبطالة خطرا وفتحت معركة مع الفنانين والمثقفين لا معنى لها.

فالفيلم كان سيمر مثل غيره ويروح في داهية ولا يذكره أحد، ولو أن في الرقابة قانونًا صحيحًا كان سيطلب من صناعه قبل الموافقة ما يفيد دفع حقوق المؤلف الإيطالي لوسيانو فينسينزوني الأصلي في القصة التي شوهت، فمصر مشتركة في الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف، حتى إعلان الفيلم نسخة مسروقة من الفيلم الإيطالي، بعيدا عن كونه فيلمًا جنسيًا أو غير جنسي.

فالجنس مفتوحة طرقه في الإنترنت في كل الدنيا لا يراه إلا المرضى والمراهقون، تماما مثل هذه الأفلام، لكن الحكومة أرادت أن تشغلنا بموضوع تافه تعرف أنه سيكون مثار المناقشات في الصحف والفضائيات والإنترنت وهدية أيضا للسلفيين، ومن لف لفهم الذين للأسف ستستخدمهم الدولة فيما يبدو حتى الآن بدلا من الإخوان فزاعة لقوى الاستنارة، خاصة بعد أن غيروا آراءهم مائة في المائة ولم يعد يعنيهم إلا رضا الحاكم عنهم.

للأسف أجد نفسي مهاجمًا قرار الحكومة ورئيسها وإن كنت لا أحب الفيلم وأراه تافهًا، وكأننا لا نجد دفاعًا عن حرية التعبير إلا هذه الأفلام التافهة، لا أستطيع أن أوافق على قرار المنع لأنه سيكون خطوة لمنع أكثر ولقد سبقه منع الفيلم الأمريكي "نوح" من الأزهر رغم أن العالم كله يراه ورغم أن قصة سيدنا نوح في التوراة قبل القرآن وفي القصص البابلية الأسطورية قبل التوراة والقرآن معا.

لو وافقنا على هذا القرار ستكون الأيام المقبلة فرصة لكل جاهل يرفع شكوى لمنع فيلم بينما يستطيع ألا يذهب ولا يراه، ولن يأتي الفيلم إلى بيته أبدا قسرا ولن يفرض عليه أحد رؤيته.

سؤال أسأله لهؤلاء الذين اشتكوا من الفيلم كم مضى من الزمن وأنتم في مجالسكم القومية وجمعياتكم تتحدثون عن القيم؟ هل اعتدلت القيم والأخلاق؟ لو تريدون العمل ابحثوا عن حياة كريمة للمواطن وساعتها لن تشاهد هذه الأفلام ولن يهتم بها أحد.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com
الجريدة الرسمية