رئيس التحرير
عصام كامل

فشل المعارضة والحكم


إن الصراع الدائر فى مصر الآن بين القوى المدنية وعلى رأسها جبهة الإنقاذ الوطنى من ناحية، وقوى الإسلام السياسى وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية من ناحية أخرى قد بدأ يأخذ منحنى ينبئ بأن ثمة شيئا على وشك أن يحدث، وأن حالة الاستقرار النسبى التى أعقبت موجة الاحتجاجات التى اجتاحت القاهرة وبعض المحافظات فى غضون الأسابيع القليلة الماضية ما هى إلا هدوء يسبق العاصفة.


بالطبع فإن التنبؤ بما سوف يحدث على الساحة السياسية خلال الفترة المقبلة فى ظل المتغيرات الحادة التى تسيطر على المشهد الآن يعد أمرا صعبا للغاية، ولكن الإرهاصات الأولية تتمثل فى حالة عامة من الاحتقان المجتمعى ضد أى شىء، وفى مواجهة كل شىء، وسيطرة الرفض الشعبى لكل من يمارس العمل السياسى من حكم ومعارضة، أحزاب وحركات وجماعات، منظمات وائتلافات.. وهى كفيلة بأن تبعث بضوء أحمر لكل من يهتم بالشأن السياسى المصرى بأن مصر على وشك أن تقع فى المحظور المتمثل فى تطور الاستقطاب إلى صراع واقتتال، وهو ما سيؤدى إلى السقوط الحتمى للدولة.

إذن على عاتق من تقع المسئولية الأكبر فى احتواء الموقف، ومحاولة تعديل المسار الحالى؟!

تقع المسئولية الأولى فى هذا الصدد على النخبة الحاكمة بما لديها من وسائل متعددة تسمح لها بالسيطرة على الموقف (إن أرادت هى ذلك) وتغيير الدفة فى الاتجاه الصحيح، هذا بالطبع لا ينفى المسئولية عن القوى السياسية فى صفوف المعارضة، فإذا كان النظام قد فشل فى تقديم الحلول الناجعة للمشكلات الاقتصادية والسياسية (المتمثلة فى تصاعد الانقسام ولجوء البعض بالفعل إلى العنف) التى تواجهه على مدار ثمانية أشهر كاملة، فإن المعارضة هى الأخرى لم تنجح حتى الآن فى إيجاد البدائل المناسبة لكى تطرحها على المجتمع كتصور يمكن إخضاعه للدراسة بشىء من الجدية فى حال ما إذا قرر الناخبون الإطاحة بالنظام الحالى عن طريق صناديق الاقتراع، أو من خلال ثورة شعبية تسقطه كما كان الحال مع النظام الذى سبقه.

إن إصرار المعارضة على الاستمرار فى تبنى توجهات راديكالية فى التعامل مع ما تتطلبه المرحلة الحالية من موضوعية فى القرارت التى تصدر فى مواجهة التعسف فى استخدام السلطة من قبل النظام، وواقعية فى تقييم الموقف وفى تحديد الأولويات سوف يؤدى إلى الانتقاص من رصيد الديمقراطية ذاتها فى الشارع بما أن تلك القوى قد اختارت أن تطرح نفسها كتجسيد للمدنية والتعددية التى تعد العمود الفقرى للممارسة الديمقراطية السليمة، وسوف تتيح المجال لخصومها للعب دور فعال فى ملء ذلك الفراغ الذى قد ينتج عن عزوف الكثيرين عن مساندتهم.

إن المشكلة الحقيقية التى تواجه قوى المعارضة الآن فى مصر تتمحور حول فشلها فى الاتصال الوثيق بالشارع لعدة أسباب يأتى على رأسها العجز والتنظيم، وغياب الكوادر القادرة على بناء قاعدة شعبية فى الأقاليم التى تبعد عن العاصمة وكذلك عدم القدرة على توفير التمويل الكافى، وبالتالى فإن خياراتها فى الوقت الحالى تنحصر فى محاولة تبنى مطالب الشارع، ليس بالضرورة الشارع الثورى فقط، وإنما التعبير أيضا عن تطلعات المواطن العادى الذى لا يجد من يعبر عن مشكلاته ويوجد حلولا لها، أما إذا اختار من هم فى صفوف المعارضة الاستمرار فى اتباع المسار الذى رسمه لهم النظام، وفى تنفيذ خطته لفصلهم عن الشارع فسوف يؤدى ذلك إلى ضياع مطالب الثورة وانهيار مبادئها، وسوف تكون المعارضة التى شاركت بقوة فى إنجاح الثورة وفى إسقاط النظام السابق هى نفس المعارضة التى قد تلعب دورا مؤثرا فى اغتيالها والقضاء عليها نهائيا.
الجريدة الرسمية