رئيس التحرير
عصام كامل

وجه الكريم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"اللهم لاتحرمنى من النظر إلى وجهك الكريم"، دعاء يردده المسلمون في بقاع الأرض في كل صلاة وفى كل وقت، لأن رؤية الله عندهم هي الحلم، وهى الغاية التي يجتهدون من أجل الوصول إليها كى لا يحرموا منها في الآخرة، وبين أحلام المسلمين في بقاع الأرض ولدت حالة الجدل بين العلماء والفقهاء للوصول إلى معلومة حقيقة عن من تمكنوا من رؤية الله على الأرض، وحتى الآن لم يتوصلوا لمعلومة يقينية فجميعها اجتهادات شخصية تؤكد بأنه لم يتمكن أحد من الأنبياء من رؤية الله، حتى سيدنا موسى ومحمد "رأيا" نور الله، ولكن هناك من طلبوا رؤية الله من الأنبياء ومنهم سيدنا موسى..


> وجوه مشتاقة لرؤية ربها..
الجدل دائما يدور حول من رأى الله ومن لهم الحق في رؤية الله في الآخرة، فالله يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار؛ والمؤكد أن رؤية الله تعالى لا تكون في الدنيا ولا تصح لأحد، وإنما تكون في الآخرة للمؤمنين خاصة دون الكافرين، قال الحافظ في الفتح: لأن أبصار المؤمنين في الآخرة باقية فلا استحالة أن يرى الباقي - وهو الله تعالى- بالباقي أعين المؤمنين بخلاف حالة الدنيا فإن أبصارهم فيها فانية فلا يرى الباقي بالفاني.

> رؤية الأنبياء لوجه ربهم
آدم أبو البشر، رغم كونه أول من خلق الله، وأمره الله بأشياء ونهاه عن أخرى؛ وأسكنه جنته وطرد منها لعصيانه أمر ربه؛ إلا أن القطع بأن كل ذلك دليل على رؤيته لله ليس عليه دليل، فالأمر والنهى ليسا مقترنين بإقرار الرؤية العينية؛ بجانب أن جنة آدم لم يأت لها سند حتى الآن بأنها جنة الخلد التي أعدها الله للمتقين؛ وإنما هي جنة على الأرض.

أما عن سيدنا موسى كليم الله، فكان هو النبى الأوحد الذي طلب رؤية الله، قال تعالى": وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ {الأعراف:143}، ولكنه لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فسأل الله تعالى ذلك، فقال الله له: لن تراني.
وروى الحاكم في مستدركه - وصححه ووافقه الذهبي - عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما: أن موسى بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه، فقال: وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فحف حول الجبل الملائكة، وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة، وحف حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربك للجبل ثم تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكا وخر موسى صعقًا ما شاء الله، ثم إنه أفاق، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

أما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فدارت حالة الجدل حول رؤية الله في ليلة الإسراء والمعراج، حيث أكد الصحابة أن النبي "ص" لم ير الله عز وجل بعينه ليلة المعراج، وقد ثبت عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا "ص" رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُولُ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ" رواه البخاري( التوحيد/6832)، وعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ "نُورٌ أَنَّى أراه" رواه مسلم ( الإيمان/261، "، وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ" رواه مسلم (الإيمان/258)، وقد قال تعالى: (سبحان الذي أَسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا) الإسراء 1، ولو كان قد أراه نفسه بعينه لكان ذكر ذلك أولى، وكذلك قوله: أفتمارونه على ما يرى لقد رأى من آيات ربه الكبرى. ولو كان رآه بعينه لكان ذِكْرُ ذلك أولى.

وقد ثبت بالنصوص الصحيحة واتفاق سلف الأمة أنه لا يرى الله أحد في الدنيا بعينه إلا ما نازع فيه بعضهم من رؤية نبينا محمد خاصة، واتفقوا على أن المؤمنين يرون الله يوم القيامة عيانا كما يرون الشمس والقمر.
أما ابن عباس فقد اختلف معهم مستندا على قول الله تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ، وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا"، قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، بينما تم تفسير الآية على أن النبى رأه بعين قلبه ولم يره بعيني رأسه، مستندين على قول الله وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيم"، ونبينا بشر

> أقواما طلبوا رؤية الله جهرا..
ومن الأنبياء للأقوام الذين طلبوا رؤية الله، فكانت حجة من أنكروا ربوبية الله وتكذيب رسله وأقرنوا رؤية الله جهرة بالإيمان، وكان لبني إسرائيل جولات عدة مع نبيهم موسى حول ذلك؛ فقال تعالى في كتابه {وإذ قُلتم يا موسى لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرةً فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون}، كما جاء في آيات الله ذكرت هذه الآيات بعض مُقْتَرحات اليهود التي تَدُلُّ على كُفْرِهم وعِنَادِهم، فبعد أن مَنَّ الله عليهم بإهلاك فرعون، ونَجَّاهم من عذابه، فَجَّر لهم العيون، وانزل عليهم الطيِّبَات، وساق لهم الغمام ليُظِلَّهم في الصحراء، فلم يشكروا الله على تلك النِّعَمْ، بل جحدوا ربهم، وقالوا لموسى: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف:138]، فأجابهم موسى: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:138، 139] ولما ذهب موسى لميقات ربه، اتخذوا من حُلِيِّهم عجلًا جسدًا له خوار يعبدونه من دون الله، ولم يكتفوا بذلك، بل طلبوا رؤية الله جَهْرَة، كي يؤمنوا بما جاءهم به، فعلَّقوا إيمانهم على أن يروا الله عزَّ وجل، فأرسل الله عليهم صاعقة من السماء؛ تأديبًا لهم، ثم بعثهم بعد هذه الصاعقة لعلهم يشكرون.

وبعدما عادوا إلى الحياة بدعاء موسى عليه السلام، طلبوا منه أن يسأل الرُّؤْيَة لنفسه لا لهم، حتّى تحلَّ رؤيته للَّه مكان رؤيتهم كما حلّ سماعه للوحي، محلَّ سماعهم لكلامه تعالى حتّى يؤمنوا به، لذلك لم يكن لموسى عليه السلام محيص إلاَّ الإقدام على السؤال، فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}، فَأُجِيب بقوله: {لَنْ تَرَانِي}.
الجريدة الرسمية